عرف المغرب منذ أسابيع ، حادثة مروعة ، ذهب ضحيتها طفل في عمر الزهور ( الفقيد ريان ) ، وكان كل المغاربة وغيرهم ، قد أبانوا عن حضور حس إنساني عال ، جعلنا جميعا نفخر به ، وبمغربيتنا، كما خلق لدينا شعورا جميلا ، بأن الانسان المغربي ، رغم كل الصعاب التي تواجهه ، فهو لم يتخل عن شهامته ، وتكافله مع غيره واحترام من يشاركه الوجود الاجتماعي …
إنها أخلاقه التي تشربها في مسار تنشئته الاجتماعية ، والتي صقلها اندماجه داخل المؤسسات ( دينية ، قانونية،تربوية ….) .
مواطنون ومواطنات، ينتمون إلى بلد قدم شهداء أحرار ،كانوا شموعا أضاءت دربنا نحن المغاربة، كي ننعم بحياة كريمة في ظل وطن حر ، كما لا ننسى الذين قاوموا وناضلوا ولحقهم الاعتقال والسجن ، خلال سنوات الرصاص، والذين/اللواتي كانوا رغم( توجهاتهم/ن المختلفة ايديولوجيا )، مؤمنين بضرورة تحقيق طفرة في المجتمع المغربي ، يكون الانسان المغربي عموما ، والكادح على الخصوص المنتصر الوحيد على كل أشكال الاستغلال والقهر.
وهنا لا يمكن أن نغفل إسما من بين أخر ، قد برز كمرافع عن حرية المعتقلين السياسيين ، وعن قيم الحرية والعدالة .. وأعني هنا الفقيد النقيب عبد الرحيم برادة ، الذي خلف خبر نعيه حزنا كبيرا في نفوس كل من آمن يوما بقداسة القيم السامية ، والتي جسدها الفقيد عبر ممارسته المهنية ،والنضالية …
أن ينزل هذا الخبر كصاعقة ، تخبرنا أن الوطن قد خسر هرما من عيار الفقيد، جعلنا ونحن في عز الحزن ، نفخر مرة أخرى ، بأن الوطن أنجب رجالا ونساء ، قاوموا وناضلوا بسخاء ، وبنكران الذات ، وبكل سمو أخلاقي عن مبادئ وافكار ، كل من موقعه ، من أجل وطن يحفظ كرامة مواطنيه جميعا.
إلا أن خيبتنا ، والمرارة التي تسللت إلينا ، والشعور بالغضب ، ونحن نشاهد ونسمع ما قد جرى في أحد الأسواق بالقنيطرة ، أشعرنا أن الرداءة تجثم بثقلها ، وأن ثمة أشياء تحدث لا نملك لها تفسيرا متاحا ، أو دقيقا ، فتحولنا إلى ذوات تتساءل بخصوص القيم ، والسياسات، والمٱلات ، الرهانات.
ذوات تتساءل عن مصير بلد أعلن أنه يؤسس لمرحلة جديدة ، يقطع فيها مع ماض وممارسات أنتجت فوارق طبقية ، و صفوفا من الكادحين ، و سياسات عامة لم تأخد بعين الاعتبار صون كرامة الانسان المغربي ، إنسان من المفروض أنه متشبع بقيم دينية وأخلاقية…تنٱى به عن أفعال مشينة ، ( السطو على ملك الغير ) ، قيم يبدو أنها أصبحت هشة هي الأخرى. كهشاشة أوضاعه الاجتماعية …الأمر الذي يستدعي المراهنة بكل وعي ومسؤولية ، على هذا الانسان وتحصينه قيميا ، بطريقة عقلانية بعيدة عن كل ديماغوجية ، وذلك بعد تمكينه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ….حتى لا نخسر فخرنا به كإنسان ذو شهامة وأخلاق عالية …ستضيع من بعضه ، إن لم ننحج في تأمين وجود كريم له .
* كاتبة من أسرة كش بريس