أثار مدونون فضيحة إعلان رئيسة المجلس الجماعي لمدينة الرباط، السيدة أسماء غلالو، وجود 2400 من الموظفين الأشباح في المقاطعات والإدارات العمومية والولاية ، يتقاضون أجورهم الشهرية بانتظام دون أن يؤدوا وظيفتهم. مؤكدة في إطار ضبط عددهم الحقيقي، أن تمة اتجاها سيتم اللجوء إليه، لتنظيم امتحانات الكفاءة المهنية الخاصة بالترقية.
نقاش استدعى في الوقت نفسه، تعميم المبادرة ونشر قائمة بأسماء الموظفين الأشباح، على كل الواجهات. ليس فقط بشكل حصري على الرباط، بل بتعميم ذلك على كل المدن والجماعات البلدية والقروية أيضا.
موضوع الموظفين الأشباح ليس جديدا على أية حال، ولكنه قضية راهنية وأساسية، ينبغي دراستها وترتيب قرارات استراتيجية حاسمة حولها، قبل إغلاقها إلى الأبد.
لا نريد هنا، إثارة البوليميك السياسي للمسألة. فمهما كانت نية السيدة رئيسة المجلس، فالنتائج المترتبة على فضح هذا النوع من المواطنين الغارقين في أسمال الريع والفساد الإداري وسوء تقييم العواقب، يحيل إلى سيرورة الإغراق في وحل الفساد المستشري منذ أمد بعيد، وانفلاته وتغوله، لدرجة استحالة عقره ونفضه من جذوره.
ومع ذلك، فالفرصة، التي فتحت شهية الإعلام على خلفيات وأساسات هذا النوع من الملفات، يذكي في الضمير الوطني الحر، والإرادة السياسية والقضائية والأمنية، إمكانية تصحيح وإصلاح الوضعيات الناشزة، التي تترتب عليها، انجرار مصالح البلاد والعباد، إلى قاع التنمية، وهشاشتها على جميع المستويات.
هذا يستدعي بالطبع، النظر بشكل مستعجل، أهمية أن يستشرف المسؤولون، كل من موقعه ودرجة تدخله، حدود وضع خطة وطنية شاملة لوقف هذا النزيف الذي أضحى يتهدد مستقبل الوطن، وصورته العامة في باراديجم التنمية والموقع بين الأمم، وسبل تطوير إمكاناته ليتجسد في مقدمة حضارات العالم، الذي بتسلق الدرجات وتوطن معالم العصر ونهضته، انطلاقا من بناء الإنسان ودمقرطة حياته، وتحقيق حد أدنى لكرامته وحريته.
نتساءل بإزاء هذه القضية، عن حدود تأسيس ميثاق وطني، ينهض بالرقابة، كمكون أساس في عمليات نشر الوعي، وتقييم حضورها في البداهات المجتمعية، القائمة على الثقافة الإدارية والنصوص القانونية المحصنة بالبيداغوجيا الوطنية والمواطنة.
هل ينبغي علينا في كل مرة، تثار فيها قضايا الفساد الإداري والمالي والتسييري، وآثار ذلك على التنمية والإنسان، أن نذكر بكل ما نقول ويقال؟ ونحفز استدراكاتنا وتفكراتنا، على مقاسمة الهموم والموانع التي تحول دون تحقيق نسقية متواصلة، في كل ما يحيل إلى نظافة المجتمع ومحيطه، ونجاعة إعمال القانون، وتطبيقه دون تمييز، وإحلال العدل والنزاهة والإنصاف في كل ما يتعلق بالمخاطر المحدقة بمستقبل البلاد والعباد؟.
أعتقد أن الوقت قد حان، لتجسيد القانون ودولة الحق والعدل، في كل ما يحيط بنا، مع الوقوف بشكل حاسم تجاه قيمة “ربط المسؤولية بالمحاسبة”، وضبط آليات كل ذلك، وإلا لبقيت “وصمة الانتظارية” رهينة باستمرار الالتباس وتشويه الحقائق وتقسيم التحديات؟.
إن الذين يصمتون على واقع مثل هذا، كما هو الحال بالنسبة، لتضليل المرفق الإداري، على سبيل إغراقه بموظفين أشباح، يعدون بالآلاف، يقتاتون من ميزانيات عمومية، دون وجه حق أو قانون، هم أيضا يتحملون وزر استمرار الوضعية، وتحق فيهم المساءلة القانونية والقضائية، بمثل الدرجة التي يتحملها أصحاب الشأن في ذلك.
إن الدولة مطالبة بالكشف عن حقائق هذه التوظيفات المشبوهة، كما أنها مطالبة بمساءلة أصحابها والقائمين عليها. وهي مطالب تعني من ضمن ما تعنيه، فتح تحقيق قضائي عاجل، وترتيب الجزاءات المنصوص عليها في القانون، بالإضافة إلى ما هو أساسي ومهم، وهو إعادة النظر في السياقات التنظيمية والقانونية ذات الصلة، التي ترتبط بمفاهيم التوظيف العمومي، وحدوده النظرية والقانونية بخصوص المسؤولية المباشرة ومعاييرها وأصنافها وتعاقداتها العملية والنوعية.
*قبل الختام،
دعاني صديق عزيز قبل ساعات إلى النبش في مسار هذه القضية الشائكة، وسألني ببداهة وطنية صادقة، :
ـ نحن نعلم أن الأشباح موجودون في كل إدارت المغرب، وقد يكون مسؤولو هذه الإدارات متواطؤون مع مخالفي القانون، الأشباح . لكن ألا يضفي على هذه الوضعية المعقدة، نوعا من الشوفينية المقيتة، ومغالبة الواقع بالأحلام؟
ـ قلت :
ـ أقرب الحقائق إلى هذه المعضلات التي نعيشها اليوم، وبإيقاعات مختلفة ومتعددة، أننا نعرف مشكلاتنا بالتحديد، ونضع خططا واستراتيجيات لحلها، ولكن، مع الأسف الشديد، نصطدم بواقع الفساد وتجذره في تربة، لم تعد صالحة أبدا لبناء قيم مخلصة لهذا الوطن؟.
ما العمل إذن؟.