شهر فبراير مرتبط بـ”عيد الحب”، ولأن حكومة عزيز أخنوش تحب المغاربة حبًّا جمًّا، فقد ارتأت أن تقدّم لهم هدايا تدخل البهجة على نفوسهم!
وفبراير أيضًا، حسب تقويم الأبراج، مرتبط في نصفه الثاني بـ”برج الحوت”؛ ومن ثم، كانت الهدية الحكومية للمواطنين هي التمتع بفرجة أنواع السمك وأشكاله وألوانه وسلالاته، عملاً بالمثل الدارج “اللّي ما شرى يتنزّه”. والمقصود بالحوت عندنا نحن أبناء المغرب: السمك عامة، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كما يقول أهل البلاغة.
أما فرجة السمك هذه التي حملت اسم “معرض أليوتيس” فكان فضاؤها مدينة أغادير، “قلعة” معالي رئيس الحكومة الذي يرأس في الوقت نفسه مجلسها البلدي. ولذلك، حجّ إليها الناس من كل حدب وصوب، لالتقاط صور مع الأسماك التي لا تظهر حتّى في الأحلام، ويكون محظوظًا مَن ظفر بتذوّق صنفٍ معيّن منها، من فواكه البحر تحديدًا، في المعرض طبعًا!
والذين لم يظفروا ببركة الزيارة حيث تحققت متعة العين والذوق معًا، نابت القنوات التلفزيونية والمواقع الإخبارية في تقريب الأجواء الساحرة منهم، ونقلها إليهم عبر الصورة والصوت في نشراتها اليومية، على امتداد خمسة أيام بالتمام والكمال. لكنّ تلك القنوات والمواقع أغفلت أن تكتب تنبيهًا على شاشاتها، مفاده أن المَشاهد المبثوثة ممنوعة على النساء الحوامل ممن يجتزن فترة الوَحم، وكذا على أصحاب الحساسية المفطرة في الشهية!
المواطنون الذين ظفروا بزيارة معرض “أليوتيس” ولا سيما المعروضات المحلية، كانوا يفركون أعينهم غير مصدّقين: أحقًّا يملك الوطن العزيز، المغرب، كل هذه الأسماك في واجهتيه البحريتين الأطلسية والمتوسطية؟ وسبب الاستغراب أن أنواعًا كثيرة منها لا توجد في الأسواق ولدى باعة السمك، لأنّ ما يُباع على المستوى المحلي أصناف قليلة معدودة على رؤوس الأصابع.
ومن ثم، بدا أحد الصحافيين المغاربة مندهشًا، كما لو أنه عاد لتوّه من جنّة أرضية، حينما حطّت به الطائرة في مطار الرباط سلا، قادمًا من مدينة أغادير، فوضع صورة تخلّد الحدث في حسابه على “الفيسبوك”، وكتب بجانب الصورة: “العودة إلى العاصمة، بعدما تصوّرنا مع السمك المغربي المهاجر إلى الخارج في معرض أليوتيس.” الصحافي الحسن أيت بيهي شأنه شأن معظم زوار معرض أغادير، اكتفى بالتقاط صور فوتوغرافية مع أصناف من السمك، يسمع الناس بها ولا يرونها، وبعضهم لا يعرف حتى اسمها وفصلها ونسبها الشريف، لأنها “تطير” إلى مشارق الأرض ومغاربها من وسط المياه الإقليمية للمغرب!
هذه “الأسماك الطائرة” رصدتها بالمنظار الصحيفة الناطقة بلسان “الحزب الشيوعي المغربي” سابقًا، الذي يحمل اليوم اسم “حزب التقدم والاشتراكية”. ولأن هذا الأخير يوجد في المعارضة، فقد اختار الهمز واللمز في الحكومة الفرحة بـ”منجزاتها” التي سارت بذكرها الألسن.
حزب القيادي الشيوعي/ المسلم أو المسلم/ الشيوعي، نبيل بن عبد الله، وجد تنظيم معرض السمك في أغادير فرصة سانحة لدق ناقوس الخطر حول أوضاع الثروة السمكية في المغرب، وذلك من خلال تحقيق نشره في صحيفته “بيان اليوم” شمل سبع صفحات، تحت عنوان عريض “استنزاف مخزون الصيد البحري: شد وجذب بين الوزارة واللوبيات المهنية”، وسجل التحقيق أن المغاربة لا يستفيدون غالبًا من خيرات بحورهم، إذ يستفيد من عائداتها مالكو سفن الصيد في أعالي البحار والوسطاء والمضاربون، سواء من خلال تصديرها نحو بلدان أجنبية، أو بيعها للمطاعم والفنادق المحلية الفخمة فقط… وقليل منها يجد طريقه نحو الأسواق الممتازة.
“الطيران” لم يعد صفة لصيقة بالأسماك فقط، بل شمل كل المنتجات الغذائية (من خضروات وفواكه ولحوم وأجبان وغيرها) التي ارتفعت أثمانها بشكل مهول، وتحتاج إلى صاروخ شبيه بالصاروخ الأمريكي الذي أسقط المنطاد الصيني بسبب تحليقه في أجواء بلاد “العام سام”.
الحكومة تعزو سبب ارتفاع الأثمان إلى الأوضاع الدولية الحالية وكذا إلى ظروف الطقس القاسية، ولكنّ العارفين يرجعون السبب إلى جشع بعض أرباب الشركات الكبرى الذين نشطوا بشكل لافت في تصدير العديد من المنتجات الزراعية المغربية إلى الخارج (من بينها فواكه ومزروعات تستنزف الثروة المائية الوطنية) ضاربين عرض الحائط احتياجات السوق المحلية.
أمام هذا الوضع الذي تضرر منه المواطن المقهور المغلوب على أمره، بدأت تظهر شكاوى إمّا عبر شبكات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية، أو عبر وقفات احتجاجية تشهدها مجموعة من المدن المغربية. لكن الحكومة عوض معالجة المشكلة من جذورها، شرعت في محاولة ذر الرماد في العيون، بتوجيه الأنظار نحو الجولات التي تقوم بها لجان التفتيش التابعة للعمالات، بهدف مراقبة الأسعار وجودة المنتجات والضرب على أيدي المخالفين. والحال أن مثل هذه الجولات الاستعراضية تبقى محدودة النتائج، ما دامت تركز على صغار الباعة وتغفل أصل المشكلة.