كتب : عبد الهادي الموسولي
كثيرا ما نسمع عن الموقع الاستراتيجي المتميز للمغرب، وهذا معطى طبيعي صحيح من ناحية الجغرافيا السياسية . لكنه معطى غير صحيح من الناحية المناخية ، ولو أن الاستقرار المناخي للمغرب يوفر ظروفا ملائمة للاستقرار البشري ، إلا أنه لا يستطيع توفير الضمانات اللازمة لاستمرار هذا الاستقرار ، وذلك راجع لظاهرة المناخ الجاف وشبه الجاف التي تسيطر على المغرب .
كغيره من البلدان المتوسطية ، يعتبر مناخ المغرب مناخ شديد الحساسية ، ويتميز بالهشاشة المزمنة ، زادها الضغط البشري على الموارد الطبيعية استفحالا وتدهورا .ولعل أبرز ما يميز المناخ في المغرب ظاهرة الجفاف وشح الأمطار . وهي ظاهرة ليست جغرافية فقط ، بل هي كذلك ظاهرة تاريخية بامتياز ، فقد شهد تاريخ المغرب أزمات جفاف حادة ومهلكة للزرع والضرع . وذلك راجع لعدة عوامل ، أبرزها ما له علاقة بالموقع الجغرافي .
الموقع حسب خطوط العرض : يقع المغرب بين خطي العرض 21 و 36 درجة شمال خط الاستواء . وهذا ما يجعله يتموقع ضمن منطقة اتصال مناخي بين مناخين متدافعين باستمرار ، المناخ المعتدل والمناخ الحار . وخط العرض 30 درجة شمالا ، الذي يفصل النطاق المعتدل عن النطاق الحار يمر من وسط المغرب.
قرب مدينة أكادير ، وهذا ما يجعل المناخ المعتدل الهش “المناخ المتوسطي” يسود في الجزء الشمالي من المغرب . بينما المناخ الحار الهش والجاف “المناخ الصحراوي” يسود في الجزء الجنوبي من المغرب .
الموقع حسب خطوط الطول :
يقع المغرب بين خطي الطول 1 و17 درجة غرب خط غرينويتش ، في موقع يسميه الجغرافيين : “موقع غرب القارات” ، حيث أن نفس الموقع في شرق القارات يعتبر موقعا رطبا لقربة من مدار السرطان ، مثل جنوب شرق أسيا وجزر الكرايبي وجنوب شرق الولايات المتحدة الأمريكية ، شرق القارات المداري يتلقى أمطارا مهمة بينما غربها يدخل ضمن المناطق الجافة لوجوده في نهاية التأثيرات المناخية الرطبة ، وكذا في نهاية الدورة العامة للرياح .
الموقع قرب تجمع المرتفعات الجوية الكبرى :
موقع المغرب غرب القارة الإفريقية جعله قريب من منطقة الضغط الجوي المرتفع والجاف . حيث يتمركز الضغط الجوي الأصوري العملاق ” نسبة لجزر الآصور” وسط المحيط الأطلسي . وكما هو معلوم فالضغط الجوي المرتفع يمنع وصول الضغط الجوي المنخفض الذي يحمل معه الرطوبة والأمطار . ويشكل المرتفع الأصوري حاجزا أمام المؤثرات الرطبة التي تقصد المغرب ، من جبهتين أساسيتين : “الجبهة الإيسلندية” من الشمال الغربي و “الجبهة المدارية” من الجنوب الغربي . ورغم وقوفه في وجه الرياح الرطبة القادمة تجاه المغرب ، فالمرتفع الأصوري يعتبر حاجزا أمام تقدم الأعاصير التي تضرب أمريكا ودول الكرايبي نحو السواحل المغربية .
تأثير التيارات البحرية :
تؤثر التيارات البحرية بدورها على نوعية المناخ . فالتيارات الدافئة تجعل المناخ أكثر رطوبة وأكثر تحفيزا لتبخر مياه المحيط وتكاثفها ، بينما التيارات الباردة تجعل المناخ أكثر جفافا . وهذه حالة المغرب الذي يمر بالقرب منه “تيار الكناري” البارد . لذلك يتمتع المغربة ببرودة مياه الأطلسي في عز الصيف . بل وأن السواحل التي يمر بالقرب منها هذا التيار البحري تكون باردة خلال فصل الصيف كمدينتي ” الصويرة وسيدي إفني ” . من هذا المنطلق الطبيعي يتأكد لنا أن مناخ المغرب شديد الحساسية ، تنتابه موجات من الجفاف الدوري بشكل متواتر . وهذا الوضع يفرض على الدولة مزيدا من الجهود لحماية الموارد المائية ، وضمان استمرارها .