منتجع سيدي حرازم من المنتجعات التي تعتبر بمثابة درة من الدرر النفيسة، التي تزيد بجمالها الطبيعي عقد مكوناتها بهاء و ورونقا أخاذا يسلب لب زواره بضواحي مدينة فاس، حيث يقع على بعد عشر ( 10 ) كيلومترات في الجنوب الشرقي للعاصمة العلمية، وقد اتخذ السياح المغاربة والأجانب من منتجع ينابيع مياهه المعدنية الساخنة العالية الجودة منذ أمد بعيد مقصدا للراحة والاستجمام والاستشفاء، حيث يعج بآلاف الزوار على وجه الخصوص خلال فصلي الربيع والصيف من كل سنة، نظرا لما يتميز به من طقس منعش رطب، ومناظر خلابة ومسابح يستحم الناس بمياهها الدافئة التي تبلغ أربعة وثلاثون ( 34 ) درجة حرارية، حيث يكثرون من شربها من ينابيع معطاء بهدف الشفاء من أمراض تدعو حسب دراسات إما إلى تنقية المسالك البولية أو إلى تفتيت حصي الكلي، مما جعل مياه سيدي حرازم تحظى بقصب السبق في أن تكون أول مياه معدنية تسوق في المغرب منذ سنة 1968، وقد داع شهرة منتجعه ومنتزهاته ليس فقط على المستوى الوطني بل تجاوزت ذلك إلى أن وصل صيته إلى أغلب بقاع العالم.
تواجد أفراد من طاقم جريدة ” كش بريس ” بالعاصمة العلمية فاس، جعلنا نعرج في طريقنا صوب منتجع سيدي احرازم، وما هي إلا بضع دقائق على متن سيارة خفيفة، حتى وقفنا أمام المدخل الرئيسي للمشربة الأولى لهذا المنتجع، حيث كدنا أن نتجاوزها لعدم وجود لوحات أو إشارات على واجهتها، تدل الزائر على مكان تواجدها، ناهيك عن سوداوية جدران مدخلها الإسمنتية بسواري عالية دون تجميله بصباغة تليق بهذا المنتجع العالمي، كأن بابه باب سوق قروي أسبوعي، وبعد أن ولجناه نزلنا ( دروجا ) على جنباتها أكشاك بتصميم عشوائي تبيع بعض التذكارات ومنتوجات من الصناعة التقليدية، وأخرى أصحابها منشغلون بطهي وبيع أنواع من المأكولات، وحول أماكن صنابير ماء سيدي حرازم المعدني الطبيعي الساخن كدست قنينات وبراميل من حجم صغير بلاستيكية بعضها فوق بعض، وقد عرضت للبيع لكل من يرغب في ملئها بالماء، ووسط فضاء المشربة الأولى أوقف شخص حصانين وسيارات صغيرة من لعب الأطفال، قصد استفادتهم من ركوبها بالمقابل، ونحن نستطلع أرجاء هذا المكان، اتجه بصرنا بغثة حيث سقط على مشهد مشمئز يحمل منظره من البشاعة كل ما تحمله الكلمة من معنى، مشوها جمالية معالم المنظر العام الطبيعي لهذا المنتجع، كأن طائرات حربية أسقطت قنابل على سوق يضم عشرات الأكشاك و مسجد، مما جعلها تصبح عبارة عن خراب بعدما أحرقت جل بناياتها نيران، حيث تهاوت أجزاءها حطاما، ولهول المشهد ولعدم توقعنا وجود مثل هذا المنظر البشع بالذات في مثل هذا المكان السياحي، دفع بنا ذلك إلى أخذ صور لبقايا هذه الكارثة، والأسئلة تتناسل في دواخلنا حول أسباب هذا الحادث، وإذا بنا نسمع رجلا كهلا في نقاش مع مجموعة من أصدقائه جالسين بالقرب من عين المكان، يخص موضوع ما نحن بصدد التقاط صور لمنظره المقرف، حيث تقدمنا نحوهم محاولين التعرف على ما حدث بهذا المكان، لكنهم في البداية كانوا متحفظين في الإجابة على أسئلتنا، وبعدما كشفنا لهم على هويتنا الصحفية، حكوا لنا والحسرة والحزن الشديد يعصر قلوبهم، قائلين : ” كنا في عطلة يوم عيد الأضحى، الجمعة 31 يوليوز 2020، حيث شب حريق مهول بمنتجع سيدي حرازم، وقد أتت النيران على الأخضر واليابس، حيث التهمت ما يزيد عن ستين ( 60 ) كشكا ومسجدا في هذا السوق التجاري، الذي كان يوفر جميع الحاجيات تقريبا إلى كل الزوار من السياح، ولحسن الحظ لم تكن هناك خسائر في الأرواح، لكن كان لهذه المأساة عواقب جد وخيمة، حيث تسببت في القضاء على مصدر رزق أربعة وستين أسرة، علما أنه كانت هناك مفاوضات أنذاك مع رئيس الجماعة قبل هذا الحريق، وذلك من أجل إعادة هيكلة المنتجع، في الوقت الذي كانت تنشب فيه دائما حرائق من وقت لآخر، خاصة كلما اشتدت الحرارة نتيجة الغطاء النباتي الكثيف والمتنوع من الأشجار والحشائش، وعقب وقوع هذا الحادث المأساوي مباشرة، حضر عدد من ممثلي المتضررين في اجتماع مع السيد رئيس جماعة سيدي حرازم، حيث وعدهم بإعادة هيكلة سوق المنتجع، وتعويضه بسوق نموذجي حفاظا على هذا الموروث الثقافي والمورد السياحي الاقتصادي المهم بالمنطقة، لكن كل وعود رئيس الجماعة للأسف الشديد كانت عرقوبية لا أقل ولا أكثر، مما دفع بالعديد ممن أحرقت النيران محلاتهم، أن يصبحوا من الباعة المتجولين، ومنهم عشرات المشردين أيضا أجبروا على التنقل يوميا في جنبات منتجع سيدي حرازم، حيث صاروا يتعرضون إلى عمليات المطاردة من طرف رجال من القوات العمومية والسلطة المحلية، وقد تضاعفت أحزان مأساة هؤلاء الضحايا حين تزامنت مع أزمة انتشار وباء فيروس كرونا “.
عقب ما سمعناه من هذه الشريحة من التجار الصغار، وما شاهدناه من مخلفات خراب هذه الكارثة المأساوية، وآثارها على هؤلاء الضحايا، جعلنا نغادر على التو المشربة الأولى لمنتجع سيدي حرازم، عائدين إلى مدينة فاس، وقلوبنا جد مقبوضة حزنا وألما، دون أن نقوم بزيارة المشربة الثانية لنفس المنتجع، إيمانا بالقولة الدارجة القائلة : ” إمارة الدار على باب الدار “، حيث سجلنا بكل أسف زيادة عن هذا بنيات تحية هنا وهناك هشة وأخرى مهجورة، مع افتقار المنتجع إلى عدة مرافق أساسية جد مهمة، كما أن هناك من يمارس أنشطة غير مهيكلة، حيث يشكو المنتجع من التهميش والعشوائية والإهمال الكلي واللامبالاة من طرف المسؤولين، والتقصير الملحوظ في العناية والاعتناء والمحافظة على هذه الدرة النفيسة الغالية منتجع سيد حرازم، الذي يدر طيلة ما يزيد على نصف قرن من الزمن الملايين إن لم تكن الملايير من الدراهم على العديد من المؤسسات، مما يعود بالنفع على أهل المنطقة اقتصاديا واجتماعيا وسياحيا..، الشيء الذي يتطلب من الجهات المعنية العمل على أن يظل يحظى هذا المنتجع الاستشفائي السياحي سيدي حرازم بالعناية اللازمة، حفاظا على مكانته ضمن المنتجعات السياحية الطبيعية الغناء الجميلة الطبيعية المغربية والعالمية.
كش بريس / محمد.م – إلياس مروان