في مداخلة بعنوان ” الكتابة والخراب.. هشاشة الكائن ورعب النهاية” أبرز الباحث الدكتور محمد ايت لعميم أن الكتابة والخراب تلازما منذ عهود سحيقة إلى اليوم، وأن النصوص الدينية رسخت في الأذهان أن النهاية ستكون قيامية مرعبة، لذلك فالكارثة آتية من مستقبل مجهول، ينطوي على نهاية غير محددة في الزمن، لذلك يتفاعل الناجون بالتأمل في هذا العالم المحفوف بالمخاطر وباللايقين والشك في طبيعة الوجود الهش.
وأضاف الباحث ايت لعميم، في ندوة نظمها أول أمس دار الشعر بتطوان، تحمل اسم (الفاجعة بين الآداب والفنون)، أن الاحداث الأليمة التي تخلف جراحا غائرة في المتخيل الجمعي، كانت دائما هي وقود الكتابة ، فلولا الطوفان لما كانت ” ملحمة جلجامش” التي دار موضوعها المركزي حول البحث عن نبتة الخلود، ولولا ” طروادة” لما وصلتنا ” التحفة الخالدة” الاليادة والأوديسة”، والأمثلة على ذلك لا عد لها، فكأن الأدب الخالد يتربى في احشاء الكارثة.
وتطرق الناقد إلى مجموعة من النصوص الروائية التي تناولت الكوارث مثل رواية أكادير لمحمد خير الدين ، ومابعد الزلزال لموراكامي ، والايام الاخيرة لبوميي، لادوارد ليطون، وأجساد مختلطة ، لمارفان فيكتور، والسبت الاسود لجاكلين ميغفين التي تناولت التسونامي في الهند، كما عرج على نصوص من التراث العربي التي تناولت مثل هذه الكوارث فنبه إلى كتاب اسامة بن منقذ ” كتاب المنازل والديار” الذي خصصه لزلزال حصن شيزر ، وجمع فيه مايبرد اللوعة ويسكن الروعة ، قائلا” ولقد وقفت عليها بعدما اصابها الزلزال ،فما عرفت داري ولا دور والدي واخوتي واعمامي” وذكر أيضا مرثية ابن الرومي للبصرة لما دمرها الزنج وخربوها وأذلوا أهلها. كما ذكر نص حافظ إبراهيم في رثاء مدينة مسينا الايطالية لما ضربها زلزال مدمر:
ما لمسين عوجلت في صباها … ودعاها من الردى داعيان.
خسفت ثم اغرقت ثم بادت … قضي الأمر كله في ثوان.
وأشار أيضا إلى ديوان السياب ” المعبد الغريق” وهو نص تأثر فيه السياب بغرق معبد بوذي إثر انفجار بركان دمر المدينة وأغرقها في الحمم. كما استحضر قصيدة فولتير حول زلزال لشبونة.
واستحضر ايت لعميم الدور الذي لعبته السينما في رصد الكوارث وتوثيقها وتقديمها من خلال تنوير جوانب إنسانية قد لا تظهر في نشرات الأخبار والتقارير.
ولم يفوت الناقد الوقوف على دور الفن التشكيلي في ترجمة الانفعالات الانسانية بصريا عبر لوحات غويا وبيكاسو ، حول الحرب الاهلية او الطاعون الاسود ، منبها إلى أن الكوارث لم تكن موضوعا فقط لهذه الاداب والفنون ، بل إنها أثرت على الاختيارات الجمالية وشكل التناول حيث اصطبغت اللوحات بألوان قاتمة ، والنصوص حاكت أوضاع الكارثة إما عبر الهذيانات أو تشظي النصوص وتفاقمها مناظرة ما تخلفه الكوارث من فوضى ودمار ومحو ومحق، وقد أشار إلى أن خطاب النهايات الذي تواتر في حقول عدة هو تأثير بليغ لخطاب الكارثة في الفكر مستحضرا مالارمي في رمية نرد وكيف أن بلانشو تأثر بمالارمي في هذا السياق حول كتابة الكارثة والفاجعة.
وقد ختم الباحث ايت لعميم مداخلته بأن الأدب والفنون تشهد بالتحديد على استحالة الشهادة في مواجهة الحدث الكارثي ، لأن الكارثة هي موت الشاهد. إلا أن الكتابة عن ما بعد الكارثة، يضيف، هي واجب الذاكرة ورصد مجموع الانقلابات النفسية والاحتماعية والاقتصادية التي تسببها الكوارث.