العيون- مراسلة خاصة
ختمت جمعية شراع للتنمية جامعتها الرمضانية مساء السبت 23 أبريل في فضائها الكائن بمدينة العيون المغربية، بحفل تقديم وتوقيع كتاب “أزمة الأصالة في الخطاب التداولي العربي: طه عبد الرحمن نموذجا” لصاحبه الدكتور أحمد فال السباعي، وقد شاركه طاولة تقديم الكتاب الدكتور عثمان سيلوم، بحضور ثلة من الأكاديميين والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي في مدينة العيون.
افتتح الدكتور عثمان سيلوم جلسة تقديم الكتاب بعرض، طرح فيه مجموعة من المقدمات كان أولها التعريف بالدكتور أحمد فال السباعي الحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية، ثم قدم وصفا يسيرا للكتاب الذي جاء في 220 صفحة من القطع المتوسط من إصدارات دار أفريقا الشرق للنشر والتوزيع لسنة 2022، وقدّم عثمان مجموعة من الإيضاحات حول مشروع طه عبد الرحمن الفكري بوصفه المادّة المُنتقَدة داخل طيات الكتاب، كما عرّج على مسألة التخصص التي يمكن أن يثيرها الحاضرون أو القارئون للكتاب، حيث إن تخصص الدكتور السباعي هو العلوم السياسية، بينما ينشط مشروع طه عبد الرحمن داخل ساحة الدراسات اللغوية والمنطقية والفلسفية والدينية والتراثية عموما، وقد برّر عثمان انخراط الدكتور السباعي في نقاشه داخل الكتاب مع طه عبد الرحمن، بأن هذا الأخير حاول أن يقدّم مشروعه الفكري من داخل عباءة “التداولية/البراغماتية” التي أفرزتها الفلسفة الأمريكية من داخل الدراسات اللغوية/اللسانية المعاصرة، وأن الهم اللّغوي في العصر الراهن صار همًّا مشتركا بين العلوم الإنسانية بكل فروعها واختصاصاتها، كما أن طه عبد الرحمن حاول من خلال كتاباته أن ينقد النزعة التغريبية داخل مدرسة نقد التراث العربية المعاصرة بروادها مثل: الجابري، أركون… وأن يقدم بديلا حضاريا “أصيلا” نابعا من السياق الإسلامي بمختلف أبعاده العقدية والفقهية والسلوكية والمعرفية، لذلك فالمشروع الطاهائي موجه لجميع من ينتمي إلى السياق الإسلامي، ومن حق كل من ينتمي إلى ذلك السياق أن يدلي بدوله ويحمل معول التأمل والتفكر لمساءلة أصالة المشروع الطاهائي وجدواه، وقدرته على الإجابة عن أسئلة الراهن الإسلامي بأبعاده السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، لا سيما وأنّ د. طه عبد الرحمن يقتحم بحقولا شتى بما فيها حقل العلوم السياسية والاجتماعية.
ثم أعطى عثمان الكلمة للدكتور أحمد فال السباعي ليتحدث عن الدواعي التي حملته على العكوف على إعداد دراسة تنقد أحد أهم المشاريع الفكرية المتداولة في المغرب خاصة وفي العالم العربي الإسلامي عامة، حيث ذكر الدكتور السباعي أن الهزة التي عرفها العالم العربي في العشرية الثانية من القرن العشرين بما يُصطلح عليه بـ: “الربيع العربي”، كانت مختبرا صالحا لاختبار مقولات الإسلام المتداولة بشقيها النظري المتمثل في “الفكر الإسلامي” والتطبيقي المتجسد في “الحركات الإسلامية”، وقد خلص الدكتور السباعي إلى نتيجة مفادها أن المشروع الذي يقدمه المفكرون والحركيون الإسلاميون يحتاج إلى إعادة النظر والنقد الذاتي والتقييم والتقويم لأنه غير قادر على الإجابة عن أسئلة العصر الحارقة بإجابة باردة مثل “الإسلام هو الحل”، كما خلص الدكتور السباعي إلى أن الفكر الإسلامي المعاصر عجز عن تقديم مشروع حضاري مُصاغ بلغة إجرائية عملية قادرة على الفعل والانفعال في العالم الراهن، من هنا التفت الدكتور السباعي إلى الفكر الإسلامي متجسدا في أحد أهم أعلامه وهو الدكتور طه عبد الرحمن الذي صار له في الساحة الثقافية المغربية والعربية والإسلامية أنصار ومريدون يؤمنون بحصافة أفكاره وأصالتها وقدرتها على انتشال الأمة من العثرات المتتالية. وبعد دراسة متأنية للمشروع الفكري الطاهائي والغوص في ثناياه منذ بداياته الأولى في سبعينات القرن الماضي إلى اليوم، ووضعه في ميزان العلم من خلال دراسته من زوايا ثلاث وهي الزاوية المفهومية، والمنهجية، والموضوعية، ووضعه تحت مجهر التفكيك للبحث عن المسكوت عنه والمتناقض فيه، وقد خرج الدكتور السباعي بخلاصة مفادها أن المشروع الطاهائي مشروع غير أصيل، أخفى صاحبه داخله عن قصد أو غير قصد أصوله المعرفية وخلفياته النظرية التي وجدها الدكتور السباعي جلية في الفلسفة البرغماتية الأمريكية، حيث قابل مجموعة من النصوص لروادها الكبار أمثال “ويليام جيمس” مع نصوص طه عبد الرحمن، فوجدها تصل إلى حد التطابق، ليطرح الدكتور السباعي سؤاله عن السبب الذي حمل الدكتور طه عبد الرحمن على هذا المحمل من إخفاء الأصول وعدم ذكرها تحت قاعدة ناظمة للممارسة البحثية وهي “الأمانة العلمية”.
كما أثار الدكتور السباعي نقطة الصناعة الاصطلاحية التي رأى أن طه عبد الرحمن قد تكلّفها في مشروعه الفكري دون أن يحصِّلُ هو ولا قارئوه، كبير فائدة من تلك العدّة المعجمية الفريدة التي تعجّ بها كتابات طه عبد الرحمن، ليبيّن بذلك الدكتور السباعي التناقص الصريح بين الدعوى الطاهائية الذي يقدّم نفسه أنه فيلسوف تداولي؛ أي أنه يبحث عن الأنفع والأصلح والأشيع والأيسر وصولا إلى مجتمع الخطاب المتمثل في السياق العربي الإسلامي، وبين ممارسته التي توغل في الفرادة، وقد تصل إلى حد الإغتراب، وقد قدّم الدكتور السباعي مجموعة من الأمثلة من المعجم الطاهائي مثل مصطلحات: “التأثيل، المأصول، الائتمانية، التكوثر…” فبيّن أنها مصطلحات لا تفي بغرض وضعها ولا تزيد كبير فائدة على المُخاطِبِ بها ولا على المخاطَب بها، ولا توجد لها مبررات لغوية أو منهجية أو موضوعية تشفع لهذا الإقحام في الساحة الفكرية العربية والإسلامية التي يكفيها ما فيها من الفوضى المفاهيمية التي لم تنضبط إلى اليوم، ليخلص الدكتور أحمد فال في الأخير إلى أن المشروع الطاهائي لا يستحق الهالة المحيطة به، ولم يُشخِّص تشخيصا دقيقا للتعثر الحضاري الإسلامي، ولم يقدم بديلا حضاريا يمكن الاعتداد بأصالته وحصافته وجدواه.
كان تقديم كتاب: “أزمة الأصالة في الخطاب التداولي العربي: طه عبد الرحمن نموذجا” عبارة عن حوار بين المسيِّر وصاحب الكتاب، إذ كان يطرح المسير مجموعة من الأسئلة على صاحب الكتاب حتى يُنير أذهان الحاضرين بخصوص فكرة الكتاب وفكر طه عبد الرحمن والمداخل النقدية التي اعتمدها الدكتور السباعي في نقده للمشروع الطاهائي والنتائج التي توصل إليها، لتُختَتم الجلسة بإفساح المجال للحاضرين للتفاعل مع ما طرحه صاحب الكتاب من أفكار وخلاصات، وقد أثنى الجميع على أهمية المنتج الفكري الذي يتضمنه الكتاب وراهنيته، وعبروا عن الحاجة إلى هذا النوع من الدراسات النقدية للمشاريع الفكرية، وقد أجمعوا على أن الثقافة الاحتفالية التي تسم الساحة الثقافية تضرها أكثر مما تنفعها، وأن الأفيد للثقافة والأفكار هو التأمل والمساءلة والتفكيك والاستنطاق والنقد، كما طلب الجمهور من الدكتور السباعي الاستمرار في مساره النقدي للمشاريع الفكرية الإسلامية التي تعرف رواجا كبيرا في الساحة الثقافية الإسلامية، وتُحاط بحالة من المريدية التي تصل إلى تقديس أفكارها دون تأمل في أصالتها أو تفكر في جدواها.