أثارت تدوينة للكاتب الصحفي محمد بوخزار، نشرها أمس على صفحته بالفيس بوك، حول سؤال مدى إمكانية تراجع إسبانيا، بخصوص تغيير موقفها من نزاع الصحراء، حيث قال “صحافيون مغاربة “مهاجرون” يرقصون فرحا في منابرهم ؛كلما راجت إشاعات في إسبانيا، بخصوص تغيير موقفها من نزاع الصحراء.
لا يدرك ” المرتزقة” ان حكومة مدريد الوطنية، لا تقامر بسمعة البلاد ، والقرار المتخذ ،انصافا للمغرب ؛ فكرت فيه بعمق وباستحضار كافة الاحتمالات.
ليطمئن المتلهفون: قرار السلطات الاسبانية ثابت، والتراجع عنه مستحيل؛ ولو جاءت حكومة جديدة ؛ما دام في المشهد حزبان عاقلان: الاشتراكي والشعبي ، رغم الفارق بينهما. أما الزوائد الحزبية، فمؤثرة في قضايا الداخل. ..”، أثارت هذه التدوينة نقاشا مستفيضا، نبسطه هنا على سبيل المعرفة والاستئناس :
ـ الكاتب الحسين مجدوبي باحيدة :
“في سنة 2008، أعلن رئيس الحكومة وقتها خوسي لويس رودريغيث سبتيرو وبتأييد من المجلس الحكومي دعم الحكم الذاتي في الصحراء بل ساهم في صياغة مضمون الحكم الذاتي ودافع عنه في الأمم المتحدة ووسط الجزائر وسط الاتحاد الأوروبي. وكان زعيم المعارضة وقتها هو ماريانو راخوي، هذا الأخير أعرب عن معارضته للقرار، ولما وصل إلى رئاسة الحكومة جمّد قرار سبتيرو وعاد إلى تأييد مبدأ تقرير المصير، ووقعت مشاكل كبيرة مع المغرب حول الصحراء. رئيس الحكومة الحالي بيدرو سانتيش اعتبر في رسالة إلى الملك محمد السادس، وبدون دعم من المجلس الحكومي عكس سبتيرو، أن الحكم الذاتي قد يشكل مرجعا للبحث عن حل متفق عليه في إطار الأمم المتحدة، وهو موقف يبقى أقل بكثير من موقف سبتيرو الذي كان بالفعل شجاعا وجريئا. الآن، الحزب الشعبي يهدد بالتراجع عن القرار بمجرد وصوله الى السلطة، بل يحرك البرلمان الآن لتجميد القرار وهو ما لم يفعله سنة 2008، وتقدم بمقترح الأسبوع الماضي وجرى التصويت عليه الخميس الماضي برفض قرار سانتيش من طرف جميع الأحزاب باستثناء الحزب الاشتراكي، وهذه هي المرة الثالثة في ظرف شهرين يحدث هذا، بمعنى أن الحزب الشعبي تجاوز “الزوائد الحزبية” الى تابث سياسي. التاريخ القريب يجب أن يدفع المغرب الى الحذر، لأن القول بأن هذا موقف الدولة الإسبانية قد لا يستقيم والواقع الحقيقي، بل وقد يكون تغليطا عن حسن أو سوء نية أو لغاية أخرى. واعتمادا على كلامك: هل تثق في الحزب الشعبي على ضوء ما فعله سياسي مخضرم مثل راخوي سنة 2011 بالتراجع عن قرار سبتيرو تأييد الحكم الذاتي لاسيما الآن في ظل وجود أمين عام للحزب الشعبي من طينة نونييث فيخيو يعتبر نسخة جديدة متطرفة من خوسي ماريا أثنار؟ هل تضمن أن لا يتراجع الحزب الشعبي “العقلاني” (وفق كلامك) مستقبلا؟ إن الثقة الزائدة وغياب الحذر بل والتغليط من أسوأ الأشياء في السياسة والإعلام ويكون أحيانا سكينا غادرا يخدم أجندات بوعي أو بدون وعي. أبسط ما يمكن فعله هو معرفة الحقائق التاريخية والأحداث الحالية بدون ماكياج ودون إخفاء كما كان يحدث في الماض، أي ما يقع في هذا الملف من تطورات. ويبقى التساؤل الجوهري: لماذا لم تتحرك الأحزاب المغربية بشتى ألوانها السياسية لفتح حوار ونقاش مع نظيرتها الإسبانية لدعم موقف سانتيش حتى لا يمكن للحزب الشعبي تغييره مستقبلا لاسيما في ظل نهاية الثنائية الحزبية التي هيمنت في اسبانيا منذ الانتقال الديمقراطي الى سنة 2018؟”.
ـ الإعلامي محمد السراج الضو:
“إذا افترضنا أن اسبانيا تراجعت عن موقفها الرسمي في دعم الحكم الداتي بالصحراء، فان لدى المغرب أوراقا أساسية في علاقاته مع الاسبان، يمكنه أن يتراجع عنها هو أيضا وأظنه سينجح فيها. والدليل الضغوط التي مارسها على إسبانيا خلال السنة الماضية. إضافة إلى أن احزاب إسبانيا كلها تعرف جيدا مدى دعم الولايات المتحدة للمغرب بخصوص تطبيق الحكم الذاتي. ثالثا وهو الأمر الذي لم يكن موجودا أيام حكومة راخوي، هو ارتفاع وتيرة التسلح عند المغرب. بدعم من إسرائيل والامارات والولايات المتحدة، وهو مايشكل هاجسا دائما لدى النخب العسكرية الإسبانية.
ـ الكاتب شرف الدين ماجدولين:
مع احترامي لوجهة نظركم وما تضمنته من معلومات، أود أن أشير إلى أن العبارة التالية التي اوردتموها: “إن الحكم الذاتي قد يشكل مرجعا للبحث عن حل متفق عليه في إطار الأمم المتحدة” ليست هي المضمة في الرسالة، إنما العبارة الدقيقة هي : “تعتبر إسبانيا أن مقترح الحكم الذاتي المغربي المقدم عام 2007 هو الأساس الأكثر جدية ومصداقية وواقعية لحل هذا النزاع.” … كما ان الامر تحول بعد زيارة الدولة التي قام بها سانشير من مجرد رسالة إلى اتفاق استراتيجي يعيد تنظيم العلاقة جذريا بين الدولتين، وقد تضمن عدة بنود من ضمنها “الحفاظ على الوحدة الترابية للدولتين” والتي رفض تفسيرها وزير الخارجية حين سوئل أمام البرلمان الاسباني، كما اعتبر أن التفاصيل تدخل ضمن أسرار الدولة التي يخول له القانون عدم التصريح بها أمام البرلمان، … الأمر مختلف عما كان عليه أيام ساباطيرو إذ لم يكن محصلة لمفاوضات طويلة وعسيرة بين المغرب وإسبانيا، لم يشمل كل القضايا،(من ترسيم الحدود إلى الهجرة إلى الاستثمار …) ولم يتوج بتفاق تاريخي مثلما وقع الآن.
الكاتب محمد بوخزار :
ـ بعض ما أردت قوله بكلمات مضغوطة . أما وقد توليت شرحه بسلاسة لغوية وعميق انشغال بالملف؛ فإني أزجي لك الشكر والتحية . الاخ المجدوبي لا يريد أن يميز بين العراك الحزبي تحت قبة البرلمان، وهو مشهد مألوف؛ وبين مجريات الدبلوماسية الخاصة والتفاوض السري بين الاطراف..وفي رأيي المتواضع فان اسبانيا وعلى افتراض ان يحكمها ” فوكس” لن تتراجع عن موقف أملته عليها مصالحها الاستراتيجية القريبة والبعيدة ؛ وهذا ما يفسر جنون الجزائر ؛ كون مدريد تعرف كل خبايا واسرار الملف الصحراوي وفصول تواطئها مع الجزائر. ولو طالب المغرب برفع السرية عن المستور ، لأصيب كثيرون بالعجب العجاب. سبق لي ان قلت ان قرار رئيس وزراء اسبانيا؛ اتخذ بعد طول تفكير دام أشهرا عدة . والاكيد انه نال تاييد اركان الحكم في البلاد، وهي دون ترتيب: الجيش ، المخابرات، رجال المال والأعمال ثم الموقف الرمزي الداعم لملك إسبانيا. لا ننسى تأثير تيارات معتدلة في الحزبين الكبيرين : الاشتراكي العمالي والشعبي.
ـ الكاتب الحسين مجدوبي باحيدة :
موقف سبتيرو كان موقف الحكومة برمتها بل انخرط سبتيرو في مساعدة المغرب على صياغة نص الحكم الذاتي. في الوقت ذاته، دافع سبتيرو عن الحكم الذاتي أمام الجزائر وفي قلب الجزائر أمام الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وحاول سبتيرو إيجاد حل للنزاع على هامش الأمم المتحدة من خلال عقد قمة بين المغرب والجزائر وفرنسا واسبانيا والولايات المتحدة وحضور جبهة البوليساريو لمعالجة النزاع والدفع بالحكم الذاتي المتطور. سبتيرو لم يكن يلعب على الحبلين، تبنى الحكم الذاتي ودافع عنه كحل حقيقي، في حين أن حكومة سانتيش تلعب نسبيا على الحبلين عندما تشترط قبول الحكم الذاتي بقبول جبهة البوليساريو له ومصادقة الأمم المتحدة عليه.لم يتم التوقيع على أي اتفاق استراتيجي بين المغرب واسبانيا خلال السنوات الأخيرة بما فيها زيارة رئيس حكومة مدريد بيدرو سانتيش الى الرباط مؤخرا، الاتفاقيات الاستراتيجية يتم توقيع عليها علانية ويصادق عليها البرلمان خاصة إذا شملت مجالات مهمة مثل الاستثمار والهجرة، علما أن استثمارات اسبانيا في المغرب تراجعت خلال السنوات الأخيرة ولا ترقى الى مستوى الشراكة التجارية وصفة اسبانيا كشريك تجاري أول للمغرب.من جانب آخر، ترسيم الحدود هو نقاش يدوم منذ عقدين، منذ أن انفجر التوتر الأول سنة 2001 حول التنقيب عن البترول، وتوجد لجنة جرى تعيينها وقتها، إبان حكومة خوسي ماريا أثنار وناذرا ما تجتمع. حينئذ جرى الاتفاق على مبدأ “المسافة النصف”، أي نقطة الوسط بين مياه كل دولة لأن مدريد ترفض التوقيع على اتفاقية رسمية. لم يتم تحقيق أي تقدم منذ الاتفاقيات الأولى منذ عقدين رغم التغيير الحاصل في الحكومات المتعاقبة على الرئاسة في مدريد.هذا لا يعني التقليل من موقف مدريد الحالي وهو موقف شجاع في الظروف الحالية إلا أنه كان دون موقف مدريد سنة 2008 ورغم ذلك جاء الحزب الشعبي وتراجع عنه. الجوهري هنا هو موقف الحزب الشعبي على ضوء تجارب التاريخ القريب. لقد جرى الاتفاق بين المغرب والحكومة المتواجدة في السلطة في اسبانيا حول قضايا وتراجعت عنها الحكومة اللاحقة لأن ثقافة احترام الاتفاقيات في اسبانيا غير متجذرة عكس فرنسا أو بريطانيا. وأتساءل: لماذا تراجع راخوي عن قرار سبتيرو عندما وصل الى السلطة؟ وهل هناك ضمانات بعدم تراجع الحزب الشعبي إذا وصل الى الحكم عن موقف سانتيش علما أنه الآن يستعمل ورقة الصحراء بشكل لم يسبق له مثيل في الماضي؟ نعم، هناك عراك حزبي في اسبانيا حول الكثير من القضايا، لكن هناك غياب نضج سياسي حول الكثير من قضايا الدولة ومنها عدم الالتزام بالاتفاقيات مع المغرب.
ـ الكاتب محمد بوخزار :
ما تفضلت به صحيح إجمالا، وخاصة ما يتعلق بنكث الغهود من الجانب الاسباني. العلاقات بين البلدين صعبة تكتنفها إشكالات مستعصية. إعلان ” ثباطؤرو” كان نية . حاول أن يقنع الحزائر بالتفاهم مع المغرب؛ وبالتالي فإنه لم يعلن عن خطة تقوم على اعتراف إسبانيا وإنما بمحاولة تقريب مواقف الطرفبن. هذا صحيح وماضي. الفرق بينه وبين الحاضر أن اعتراف إسبانيا جاء بعد الاعلان التاريخي للرئيس ” ترامب”، ما أحدث هزة في السياسة الدولية، تبعتها ارتدادات هنا وهناك. محاولة ثباطيرو ، كانت دون مظلة دولية . ولذلك لم يصاحبها زخم إعلامي أو حراك دبلوماسي، خلاف خطوة “سانشيث” المقدامة. وبالتالي فإنها علامة فاصلة في نزاع الصحراء. ولن نعود إلى بدايات النزاع. نعم ، المسألة ليست سهلة بالنسبة للمغرب الذي يبدي مقاومة حققت مكاسب مهمة ، تفرض عليه مزيدا من اليقظة والاستعداد لليوم الأسود. الأمل في أن لا يأتي.
ـ ـ الكاتب الحسين مجدوبي باحيدة :
هذا ما تم التركيز عليه، وهو غياب الأحزاب المغربية في فتح نقاش مع نظيرتها الإسبانية لدعم موقف سانتيش. سبتيرو بحث عن دعم للحكم الذاتي وأراد عقد قمة وبدل موراتينوس مجهودا كبيرا في هذا الشأن، غير أن راخوي ألغى كل شيء. ومراجعة للتاريخ، لا يجب الثقة كثيرا لا في اليمين ولا في اليسار، لاسيما وأن سانتيش، وهو الأمر المثير، تجنب الحصول على اتخاذ موقف من المجلس الحكومي ليكون موقفه أقوى، أي موقف حكومة يلزم ولو نسبيا الحكومة المقبلة.
ـ الكاتب محمد بوخزار :
كيف تريده أن يعرض الموضوع على الحكومة وفيها وزراء من “بوديموس” لو فعل لوقع التسريب. ومثل هذه القضايا تلزم فيها السرية المطلقة. أنت تعرف بحكم المتابعة أن القرار أخفي عن كثير من وزراء الحزب الاشتراكي العمالي. وأظنه كان معروفا لدى أفراد معدودين .. الى جانب الملك والاستخبارات . مجرد تخمين..
ـ الكاتب الحسين مجدوبي باحيدة :
ما يثير الريبة هو أن القصر الملكي الإسباني لم يكذّب تلك الأخبار التي نشرتها الصحافة ونسبتها إلى القصر نفسه، حول المسافة التي أخذها الملك فيلبي السادس من رسلة سانتيش. يوم 6 أبريل الماضي استقبل ملك اسبانيا زعيم المعارضة الجديد نونيث فيخيو وأخبره الأخير أنه قلق من موقف سانتيش من الصحراء الذي يصفه بالموقف الأحادي، أن يبلغ زعيم المعارضة الملك بهذا الموقف يعكس مسبقا نوايا هذا الحزب مستقبلا.