(كش بريس/ التحرير) ـ على الرغم من استمرار الأضرار اللاحقة بالجامعات الإسرائيلية نتيجة الحرب المتوحشة على غزة، وتلاحق مقاطعتها في العالم بشكل متصاعد ، تأبى إدارة جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية بمدينة بن جرير، إلا أن تبحر ضد التيار ، رافضة مناشدات طلابها توقيف التطبيع مع الجامعات الإسرائيلية، دعما للخط الدولي للجامعات العالمية، بما فيها تلك المتواجدة في العواصم الغربية الداعمة للهجمات الإسرائيلية المتوحشة ضد الشعب الفلسطيني.
وحسب تقرير جديد للمركز الفلسطيني للشؤون الإسرائيلية (مدار)، فإن التدهور في العلاقات بين المؤسسات الأكاديميّة في إسرائيل وأوروبا والولايات المتّحدة، بدأ مع بدء تطبيق “خطّة الإصلاح القضائي” التي أعلن عنها وزير القضاء في حكومة الاحتلال الإسرائيلي ياريف ليفين، بعد أسبوع من تشكيل الحكومة. في حينه، برّرت المؤسسات الأكاديميّة في أوروبا والولايات المتحدة إلغاء دعوات جارية، أو التوقّف عن دعوة محاضري جامعة، وممثّلين عن الجامعات الإسرائيلية إلى مؤتمرات علميّة، أو البرامج المشتركة عموماً بين المؤسسات، بينها تجارب مختبريّة، بانخفاض درجة إسرائيل بين الدول الديمقراطيّة، إذ انخفضت درجة إسرائيل بين الدول الديمقراطيّة بست درجات في العام 2022؛ ولم يكن “الإصلاح” القضائي العامل الوحيد في هذا، بل الرئيس، إذ أثّرت “حريّة الصحافة” و”الضرر بحريّة التعبير عن الرأي”، و”تمثيل الأقليات في البرلمان”، قبل الإعلان عن خطّة “الإصلاح” القضائي، على تقييم اسرائيل في جدول الدول الديمقراطية العالمي.
وأضاف تقرير “مدار” أن الأثر الناتج على ضوء هذه الحقائق يبقى محدوداً، قياساً بما تتعرّض له إسرائيل على ضوء الحرب مع الفلسطينيين 2023-2024، حيث رافق الارتفاع الكمّي داخل العوامل المؤثّرة أعلاه إلى درجات غير مسبوقة، نشوء عوامل جديدة مؤثّرة على نحو حاسم في المكانة العالميّة للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية. وتقول، على سبيل المثال، في قياس حريّة الصحافة، شددت الرقابة العسكريّة (وهي مؤسسة لا نظير لها في سائر الدول الديمقراطيّة في العالم) القيود على التقارير والمواد الصحافيّة: نحو 6715 مادّة حُظرت أو عدّلت، من أصل 312 ألف مادة صحافية خضعت للرقابة العسكريّة، في شهري تشرين الأول وكانون الأول من العام الماضي. كما نُفّذ قرار الحكومة، في 5 أيار هذا العام، بإغلاق مكاتب «قناة الجزيرة»، بينما تضرّرت حرية التعبير عن الرأي على نحو جذري في إثر سلسلة تعديلات قانونيّة، أو قوانين سنّت على ضوء الحرب. وتشكّل مرافقة هذه الحقائق القضايا المشهورة لإسرائيل في المحاكم الدوليّة (العدل والجنائيّة)، ومظاهرات الطلاب في الجامعات الغربيّة، التي تطالب بوقف تمويل المؤسسات الإسرائيلية وقطع العلاقات معها، عوامل جديدة تدفع باتجاه مزيد من القيود على المؤسسات والشخصيات الأكاديمية في إسرائيل، تتعلّق بسحب التمويل وإلغاء مختلف أنواع تبادل الخبرات العلمية، وصولاً إلى قطع العلاقات المؤسساتيّة.
ويؤكد نفس التقرير أن ثمّة فارقاً آخر يمكن تمييزه، يتعلّق برد فعل النخب الإسرائيلية على هذه القيود؛ في الحالة الأولى، ألقت النخب المتضررة اللوم على مسعى نخب سياسيّة إسرائيلية لتغيير المنظومة القضائيّة، بينما في الحالة الأخيرة، صاغت النخب الإسرائيلية، بمجملها دون تمييز بين معسكر سياسي أو مجال تخصص، خطاباً تفسيرياً واحداً، تستخدم بواسطته مصطلح “معاداة الساميّة/ إسرائيل/ الصهيونيّة/ اليهوديّة”؛ وفي أفضل الأحوال، ادّعت المؤسسات الإسرائيلية أن هذه القيود، أداة المقاطعة العالميّة في سياق المؤسسات الأكاديميّة، تقوّض القيم الديمقراطية والليبرالية، وسيادة القانون، والموقف من ‘الحل العادل للصراع’ في إسرائيل، وبالتالي طلبت، على سبيل المثال، لجنة الجامعات في إسرائيل من نظيرتها في إسبانيا التريّث، وإعادة التفكير بنيّتها قطع العلاقات بين المؤسسات الأكاديمية، دون أن تبدي اكتراثاً جدّياً بمحتوى الادعاءات المقدّمة ضدّها. وحسب التقرير، تخاف النخب هذه من استنساخ هذا الموقف إلى دولٍ أوروبيّة أخرى. وفي ندوة عبر تطبيق زوم، بادر إليها “المجمع الوطني الإسرائيلي للعلوم والآداب”، ومؤسسات أخرى، يمكن تمييز إجماع تام بين النخب العلميّة على أن ما تتعرّض له إسرائيل في هذا السياق يمكن اختصاره ضمن “معاداة السامية/ إسرائيل/ الصهيونيّة/ اليهوديّة”، دون تدقيق في محتوى “المعاداة”. بهذا الأسلوب، تحوّلت النخب الإسرائيليّة من استخدام وصف “قيود” في الحالة الأولى، إلى مصطلح “المقاطعة” في الحالة الراهنة.
وكان مركز “الأكاديميا الشابّة في إسرائيل”، قد أنجز مطلع هذا العام، استطلاعاً، استجوب فيه 1015 أستاذاً جامعياً إسرائيلياً- يهودياً، من مختلف الجامعات الإسرائيلية، ومن مختلف الكليّات ومجالات التخصص العلميّة.
ووفق بيانات للمركز اطلع موقعنا عليها، فإن الاستطلاع يشير إلى أن 32% من المستطلعين قد ألغيت دعوات جارية لهم خارج البلاد، وأن “علاقاتهم الدوليّة قد تأثّرت” على نحو بالغ (عالية، أو عالية جداً، بحسب الاستطلاع)، بالإضافة لنضوب القدرة على اجتذاب طلاب دوليين، حيث أفاد 41% من المستطلعين بتضرر توظيف هذه النوعيّة من الطلاب لديهم، بينما بلغت نسبة الباحثين الذين يعتقدون أن أوراقهم البحثيّة ترفض في مؤتمرات علمية دوليّة على ضوء الحرب، نحو 26%. وظهرت النسبة الأعلى في الاستطلاع في الاتجاه المعاكِس: عدم حضور الباحثين من خارج إسرائيل إلى داخل هذه المؤسسات، كما أبلغ 64% من الباحثين عن زملائهم الدوليين. ويبقى المعطى الأكثر تأثيراً هو إبلاغ 15% من المستطلعين بالضرر اللاحق في قدرات مؤسساتهم على الحصول على تمويل ماليّ من خارج إسرائيل.
ومن دون الإشارة إلى الباحثين الذين “حافظوا على استقرار نسبي، بينما زملاؤهم قد تضرروا”، ما يفيد بارتفاع هذه النسب أثناء إجراء الاستطلاع، حيث يصعب الاستفادة على نحو دقيق من هذا الجانب، يمكننا القول إن القلق الرئيس الذي يعتري المشرفين على الاستطلاع، كامن في الاحتمالات العالية مستقبلاً بتطوّر النِسب أعلاه على نحو متطرّف، ما ينذر بوضعيّة غير مسبوقة قد تسقط إليها الأكاديميا الإسرائيلية في الساحة الدوليّة.
لللإشارة، فإن جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية رفضت مطلب 1256 من طلبة وخريجي الجامعة الذين طالبوا بقطع علاقاتها مع شركائها الإسرائيليين المتعددين.
وحول هذا الموضوع، قال الطلبة والخريجون، إنهم يؤكدون استمرارهم في الدفاع عن مطلبهم القاضي بوقف التطبيع، داعين الأساتذة وطلبة باقي الجامعات ومؤسسات التعليم العالي المغربية للانخراط في حراك ضد التطبيع الأكاديمي.
وأضافوا إنهم وجهوا خلال شهر ماي الماضي رسالة إلى رئاسة الجامعة للمطالبة بقطع علاقاتها مع شركائها الإسرائيليين المتورطين جميعا في الاحتلال والفصل العنصري وجرائم الحرب والإبادة في حق الشعب الفلسطيني، وقد تلقى الموقعون إثر ذلك دعوة للحوار، وجرى لقاء مع ممثل عن رئاسة الجامعة، تبين خلاله أن الجامعة ترفض قطع العلاقات، رغم العدد الكبير من التوقيعات. مشددين على أن هذه المبادرة تنبع من حرصهم على أن تقف جامعتهم في الجانب الصحيح من التاريخ، معلنين براءتهم من الاتفاقيات التطبيعية، ومؤكدين على مواصلة النضال بكل الطرق المشروعة والتعبير عن رفضهم الشديد لاستمرار الشراكة بين جامعتهم وبين المتورطين في الاحتلال والميز العنصري وجرائم الحرب والإبادة.
وأورد الموقعون في رسالتهم أن ما ضاعف استياءهم واستنكارهم الشديد كون كانت سباقة إلى عقد أكبر عدد من الشراكات، والقيام بزيارات لوفود كبيرة من أعلى مستوى، كما أن الجامعة قامت بإحداث منصب عالي “مكلف بمهمة لدى الرئيس مسؤول عن الشراكات الإسرائيلية”، وهو إمعان في العبث والاستفزاز. مشيرين في السياق، أن الشراكات تشمل، على حد علمهم، 8 جامعات ومؤسسات تعليم عالي إسرائيلية، هي تقريبا كل الجامعات الموجودة في إسرائيل، بالإضافة إلى التعاون مع شركات ومراكز بحوث إسرائيلية.