
منذ صعود دونالد ترامب إلى الساحة السياسية، أحدثت رؤيته ونهجه في السياسة الخارجية تحولًا غير تقليدي في العلاقات الدولية، خصوصًا مع القوى الكبرى مثل أوروبا والصين وروسيا، ونظرًا لأن ترامب كان مرشحًا بارزًا والبديل الوحيد في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يصبح من الضروري دراسة كيفية تأثير سياساته على مستقبل العلاقات الدولية.
لا شك أن السياسة الخارجية لدونالد ترامب ودبلوماسيته تجاه الصين تتشابه إلى حد كبير مع سياسته تجاه الدول الأوروبية الكبرى، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين مثل ألمانيا وفرنسا، فقد شهدت دبلوماسية الاتحاد الأوروبي تراجعًا وتذبذبًا في ظل حالة من عدم اليقين وغياب للاستقرار الاستراتيجي، نتيجة لتوجهات إدارة ترامب التي تفتقر إلى فهم أسس العلاقات الدولية وأدبيات القانون الدولي والدبلوماسية، فهذه الإدارة لا تؤمن بمنطق التعاون الدبلوماسي أو الاستراتيجي بين الدول، بل تركز على منظور يعتمد على المال والبراغماتية الفردية لصالح الولايات المتحدة.
خلال الفترة الأخيرة، شهدت تحركات إدارة ترامب ووزارتها الخارجية جهودًا لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعهدت بوقف النزاع وما يترتب عليه من آثار سلبية على الساحة الدولية، يبرز ذلك بشكل خاص في الجانب الأوروبي، الذي أصبح غير قادر على تقديم الدعم العسكري أو الدبلوماسي لأوكرانيا في ظل الظروف الدولية المتقلبة، وحالة التذبذب التي يعيشها النظام الدولي بين بروز بوادر تعدد الأقطاب واقتراب زوال الهيمنة الأحادية التي ظلت تتصارع مع القوى الصاعدة التي تؤمن بمبدأ التقارب الاستراتيجي والجيوسياسي.
تتجلى معالم العلاقة بين “العم سام” وأوروبا بوضوح من خلال استمرار الضغوط التجارية المفروضة عليها، أو من خلال دفعها نحو إعادة التوازن الاستراتيجي العسكري الذي كانت عليه قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وقد ظهرت هذه السيناريوهات الجيوسياسية خلال ولاية ترامب الأولى، حيث اتبع نهجًا أكثر عدائية تجاه أوروبا، منتقدًا حلف شمال الأطلسي (الناتو) ومطالبًا الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي والعسكري، كما قام بفرض رسوم جمركية على بعض الصادرات الأوروبية، مما أدى إلى تصاعد التوترات الاقتصادية والتجارية بشكل حاد.
يمكن القول إن سياسة ترامب بدأت تظهر آثارها مؤخرًا في وقت تحتاج فيه أوروبا إلى إعادة هيكلة سياستها الخارجية والدفاعية والأمنية، مع الاعتماد على الغرب (الولايات المتحدة)، في هذا السياق، قد نشهد سلسلة من الهجمات التصعيدية، بما في ذلك زيادة الضغط على أوروبا لرفع مساهمتها في حلف الناتو، بالإضافة إلى تهديدات محتملة بتقليص الالتزامات الأمريكية في القارة العجوز، كما أن هناك توجهًا نحو اتفاقيات تجارية أكثر فائدة للولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى تجدد الخلافات التجارية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي، كل هذه العوامل، إلى جانب الموقف الأكثر تشددًا تجاه الصين وروسيا، قد تدفع أوروبا إلى تبني مواقف أكثر استقلالية، مما يعزز فكرة “السيادة الأوروبية” في السياسة الخارجية.
لطالما كانت العلاقة بين ترامب وروسيا محور جدل منذ انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية، حيث وُجهت له اتهامات بالتساهل مع بوتين مقارنة بسابقيه، ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، قد تتأثر سياساته تجاه روسيا بعدة عوامل، أبرزها احتمال تقليص الدعم لأوكرانيا، وقد تجلى ذلك عندما صرح ترامب خلال استقباله للرئيس الأوكراني في البيت الأبيض بأنه لا يرغب في إنهاء الحرب، مما قد يغير مسار النزاع ويضعف موقف الغرب، بالإضافة إلى ذلك، يسعى ترامب لتحسين العلاقات مع موسكو لتقليل اعتمادها على الصين، وقد يقدم حوافز اقتصادية جديدة تؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه روسيا، باعتبارها علاقة براغماتية، كل ذلك قد يسهم في إعادة تقييم العقوبات المفروضة على روسيا، مما قد يثير خلافات استراتيجية مع حلفاء أمريكا في أوروبا.
في الختام، يمكننا تقييم التطورات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة منذ تولي الرئيس ترامب السلطة مرة أخرى، حيث من المحتمل أن نشهد تحولات كبيرة في العلاقات الدولية خاصة بين القوى العظمى، وسيعتمد التأثير النهائي على كيفية استجابة الدول الأخرى لهذه السياسات الترامبية، سواء من خلال المواجهة أو التكيف مع المتغيرات الجديدة في المشهد العالمي، لا سيما مع ظهور القطبية المتعددة الأطراف بقيادة دولة الصين الشعبية.
*جمال آيت لعضام
.دكتور العلاقات الدولية و القانون الدولي بجامعة جلين تشانتشونغ الصين
.معهد الدراسات الاستراتيجية و العلاقات الدولية.