عادة ما يعمل المجتمع الليبرالي على تحريف كل شيء بما في ذلك تصور الناس للنزعة المتعوية التي من خلالها يتحكم فيهم. ذلك أنه بقدرما يحرص كل الحرص على ربطها بالاستهلاك بقدرما يرهنها كليا بفيروس الامتلاك، مجهزا بالتالي على الوجه الاخر للمتعوية من حيث هي أيضا متعوية الوجود.
وإذا كان رهن المتعة بالامتلاك هو ما يعني تحديدا ،جعل إمكانية إشباع الرغبات وقفا على القدرة الشرائية لا غير ، حتى يكتسي الاستلذاذ بالتالي صبغة طبقية محضة ، لا يلوذ فيه بالمتعة الا المؤهلون لذلك من فئة اجتماعية محظوظة ، فإن الشريحة الكبرى من الإنسانية تنتهي جراء ذلك بالاحباط واليأس ما أن تدرك أنها تكاد لا تحصل في خضم هذا الصراع المرير سوى على السلع الأقل ثمنا و جودة.
ولما كانت السلع الأفضل و الأكثر ثراوة هي بلا منازع من نصيب الأغنياء دون غيرهم من بني البشر ،فلا يتبقى من مخرج أمام الطبقات المسحوقة عدا الاكتفاء من ناحية أولى بأشكال محصورة من التسلية الرخيصة والرضى من ناحية ثانية بأنواع من المتع المزيفة.و لئن كان المرء على هذا النحو، مجبرا على أن يظل يتأرجح بين تعاطيه للرياضات الشعبية ككرة القدم وماشبه أو إدمانه لعالم الشاشة الذي يزج بالأغلبية من الناس في عوالم وهمية تكاد تنسيهم شروط حياتهم المزرية التي هي بشكل أو بآخر نتاج عملية الاغتراب المنتهجة من لدن النظام الليبرالي، فهو من جهة انخراطه في سلسلة من المتع المزيفة لا فكاك له من أن يبدأ بمتعة إهانته لنفسه أو لغيره قبل أن ينتهي بالانتشاء البطولي الذي يفضي به الى التضحية بذاته، مرورا بطبيعة الحال بتعاطيه في أحيان أخرى مع أنواع رديفة من الانتشاء ،تتقاطع فيها الأحاسيس السادية بالمازوشية.
على هذا الأساس تفقد المتعة بذاتها كل قيمة لاسيما في عالم لا قيمة فيه تعلو شأنا عن قيمة العمل. يبدو العمل وفق هذا المنطق قيمة مضادة une anti-valeur تملأ زمان كل فرد فرد بشكل يتقلص فيه كليا الوقت المخصص للراحة حتى حدوده الدنيا.ذلك أن الرأسمالية دائما ما تنكب على تنظيم صارم لاستعمال الزمان بحيث لا تسمح للعامل بأن يلوذ منه الا بما يكفل له استعادة ما استنفده طيلة اليوم من قوى، خلافا للبرجوازي الذي يستفرد بكل وقته لنفسه داركا كما لاحظ دي بور “أن الذين يحيون بالفعل إنما هم أولئك الذين لا يعملون إطلاقا”. بديهي إذن أن نخلص مع ماركس إلى القول بأن العمل كنظام بقدرما يعزز الاغتراب بقدرما يقوم الاغتراب بدوره على فصل العامل عن منتوجه وتشييئه حد قتله.