لامراء أن الفيلسوف الشهير ميشيل فوكو هو من كان شرسا في الدفاع عن أطروحاته الفكرية بشكل يثير الدهشة و الإستغراب الى جانب كتاب آخرين لا يقلون عنه حضوة من عيار رولان بارت على سبيل الذكر لا الحصر.
ولعل أهم هذه الأطروحات جدارة هي تلك التي كما لا يخفى على العارفين بفلسفته ، بشر فيها بنهاية الانسان و موته (أنظر آخر صفحة من مؤلفه الكلمات و الاشياء ). لقد حدث ذلك بالضبط سنة واحدة قبل ميلادي شخصيا أي عام 1966، قبل أن يسترسل الرجل تعزيزا لفكرته تلك، عام 1969 بالقول في كتابه بعنوان” أركيولوجيا المعرفة ” بأهمية الأرشيف على اعتبار أن حقيقة العالم لا تكمن في العالم نفسه أكثر ما تكمن في الأرشيف الذي يتحدث عن العالم.
لكن هذا كله لم يثنيه عن المضي قدما أبعد من ذلك تفصيلا و تدقيقا لفكرة موت الانسان و نهايته، معلنا بصريح العبارة و بخاصة ” في نظام الخطاب” الذي ألقاه عام 1971 على أن اكتمال زوال الانسان هو ما يكفل للأرشيف بأن يبقى و يدوم مادام أن حقيقة الكون بالنسبة لفوكو لا توجد إلا في النص الذي مافتئ يتحدث عن هذا الكون .في هذا السياق إذن لن يتأخر مفكر آخر هو رولان بارت في الدلو بدلوه معلنا بدوره بعد أحداث ماي 1968 عن ” موت المؤلف “.
ولعلها الفكرة عينها التي سوف يطورها في كتابه حفيف اللغة خمسة عشر سنة بعد أحداث ماي 68 (أي عام 1984بالضبط) مؤكدا على أن الكتابة ليست أبدا بالفضاء الذي ينبعث فيه صوت ما، بل هي الفضاء حيث ينتفي و يزول كل صوت.إن الكتابة بهذا الشكل ليست هي ما يسمح للكاتب بأن يظهر و أن يتجلى، بل هي بالعكس ما يدفعه الى الزوال و الاختفاء.و على هذا النحو تغدو حقيقة النص كنص أكثر التصاقا بالقارئ منه بالمؤلف ذاته مما يستوجب منا التوكيد أيضا على أن موت المؤلف هو ثمن التكلفة المؤداة عن ميلاد القارئ .
الملاحظ و الحالة هاته ، أن تناغما واضحا قد نشأ عندها بين فوكو و بارت إلى درجة إقدامهما معا على الدفاع عن التصور نفسه و الفكرة عينها،و هذا ما نتلمسه على الأقل ليس فيما سلف فحسب بل أيضا في ما أورده فوكو في” أقوال و كتابات “عام 1969 حيث “لم يعد يعتبر المؤلف بنظره لا مالك نصوصه و لا مسؤولا عنها تماما مثلما لا يستقيم النظر إليه لا باعتباره منتجها و لا باعتباره مبدعها”، أما الكتابة فعلى هذا النحو فقط إنما ستتحرر من تيمة التعبير مادام أنها لا تُحيل إلا إلى نفسها…إنها لعبة من الرموز أكثر ارتباطا بطبيعة الدال عينه منه بمضمونها ككتابة ذات معنى.
لعل هذا الكرنفال التأبيني للانسان و أفعاله كتابة كانت أو غيرها هو ما جاء تتويجا لروح عدمية من فرط هيمنتها صار ممكنا لنظام التفاهة أن يسود كما الشأن اليوم طالما أن الجميع يحتفي بفن الكتابة خصوصا و الابداع عموما دونما أدنى حاجة للمعنى .