ما فتئت كل من القنوات الدبلوماسية الإفريقية والدولية تسعة حثيثا لإنهاء الصراع العسكري في دولة النيجر، وإعادة أمنها واستقرارها السياسي والاقتصادي، فضلا على التفاوض للتوصل إلى حل يخص الوضع النهائي الديموقراطي للبلاد ، والذى يدور حول التزام دول الايكواس بعدم التدخل العسكري في سلسلة الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد منذ الاستعمار الفرنسي لها، ليستفيق العالم اليوم على وقع أخبار انقلاب عسكري جديد في الغابون من جراء الاتهامات بعدم شفافية ومصداقية الانتخابات الرئاسية التي نتج عنها فوز الرئيس علي بونغو بولاية دستورية ثالثة.
يمكن القول، إن انقلاب الغابون جاء متزامنًا مع سقوط حكومة رئيس النيجر “محمد بازوم” باعتباره حامي مصالح فرنسا الخارجية بالنيجر، كذلك الأمر انتهت الانتخابات الرئاسية الغابونية بفوز غير ديمقراطي وغير نزيه أدت إلى انقلاب عسكري كشف عن هشاشة الحكم الديمقراطي، كذلك ضعف آليات الرقابة الانتخابية والسياسية داخل القبة الرئاسية لدولة الغابون، مما ساهم في إنهاء النظام القائم تحت شعار رفعه الانقلابيين “نهاية حكم سلالة بونغو”.
لذا فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن وتكرر مرارا بعد سلسلة الانقلابات العسكرية المتتالية في القارة الإفريقية ألا وهو: لماذا يدعم المواطنون الأفارقة صانعي الانقلاب ؟
يُعد انقلاب الغابون حاليًا ذا أثر كبير داخليًا، لما له من تداعيات سلبية على الساحة الإفريقية وخصوصًا غرب وسط إفريقيا، حيث مثل نقطة تغير للخارطة الجيوسياسية، وكذلك أدى إلى بداية إعادة هيكلة المنظومة السياسية والحزبية في الغابون عوضًا عن توارث أسرة بونغو لسلالة الحكم الذي استمرت بحكم البلاد منذ ما يزيد عن خمسين عاما بدعم من فرنسا وحلفائها الغربيين.
وحيث أنه من المفترض أن معظم هذه الأحداث الانقلابية والصراعات المسلحة الأخيرة التي شهدتها الغابون، ستؤدي إلى اتساع رقعة النزاع بين العسكريين والضباط، وبالتالي إلى إنهاء النظام السياسي القائم ل ” سلالة حكم بونغو” داخل البلاد والاستيلاء على السلطة، وعليه، فإن بعض الدول المجاورة أبدت قلقها من استمرار حدة التوتر في الغابون نتيجة ضعف الحكم الديموقراطي وفشل التفاوض لحل النزاع الحالي بين العسكريين الانقلابيين، وتحويل هذا التوتر إلى مواجهة داخلية وأخرى إقليمية تهدد أمن واستقرار دول المنطقة، ناهيك عن انتظار قرار مجموعة دول منظمة الاتحاد الإفريقي للتدخل لإنهاء الأزمة الحالية والذي قد يبدد كل الجهود في تسريع عملية السلام في البلاد.
وأعتقد أن عودة موجة الانقلابات في إفريقيا، سيثير جدلا واسعا حول مستقبل الحكم الديموقراطي والأمني في القارة كليا، ما يعني أن هذه الموجة كانت كرماد اشتدت به رياح الركود الاقتصادي وانعدام الثقة في القادة السياسيين، ناهيك عن تفشي ظاهرة التهديدات الأمنية من طرف المليشيات المسلحة التي تُعطي وعودًا في إرساء الأمن والاستقرار وضمان نظام سياسي يتسم بالديمقراطية التشاركية والعدالة الاجتماعية.
وعليه، سيبقى المستقبل الديموقراطي في القارة الإفريقية مضطربا ما بين التبعية الاستعمارية الكلاسيكية، وبين خلق مؤسسات ديمقراطية قوية ونزيهة تحكم بنفسها، بحيث يستطيع المواطنون الأفارقة المشاركة في صنع سياسات تتسم بالشفافية والاحترام لأدبيات العمل السياسي والحكومي بعيدا عن التدخلات الخارجية للدول الاستعمارية .
وختامًا، مازال الوضع السياسي القائم في الغابون غير مؤكد، لدرجة أنه لم يكن هناك أي إشارة مبدئية تكشف من وراء هذا الانقلاب أو أي تدخل أجنبي مباشر يحاول زعزعة الاستقرار الداخلي للبلاد ، لكن كافة التوقعات تشير إلى أن الموجة الأخيرة من الانقلابات العسكرية تُعد بمنزلة تذكير واقعي لما حدث سلفا في البلدان الإفريقية التي يطمح مواطنوها إلى الانفتاح أكثر على آليات سياسية ديمقراطية جديدة تعد بالتغيير السياسي والازدهار الاجتماعي البعيد المدى.
افريقيا تشهد تغير جدري نحو الحرية والديمقراطية