تقول العرب: (إن لم يكن فكأن قد). أي إن لم يكن هذا الأمر حدث فإنه يوشك أن يحدث، إن سكت الناس. وعادة ما يخرج أهل الفتنة برأس من رؤوس فتنهم على حياء، فإن سكت أهل الحق تقدموا خطوة أخرى. وهم يستعينون في ذلك بالمؤسسات الرسمية، مثل السلطات التشريعية والتنفيذية التي وضعت في الأصل لخدمة الشعب. ولكن كم من حلال حرّم، وكم حرام أحلّ، باسم تلك المؤسسات.
منذ خمسين عاما كان يقال إن آخر عروة بقيت من الإسلام في الدول العربية هي (الأحوال الشخصية)، لكن المعاول صارت تمتد إليها لتنقضها عروة عروة.
كلما نجمت فتنة بين المسلمين، وأطلّت برؤوسها القبيحة، تريد بهم شرا، وتسعى إلى تفرقتهم، تمثل المخلصون بقول السابقين: “ردّة ولا أبا بكر لها”، وذلك لما كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه من يد على الأمة الإسلامية، حيث إن أهل الردة كادوا يثلمون في بناء الإسلام ثلمة لا تُسدّ لولا عزم أبي بكر الصديق ورشده. وقد قال العقاد: (فإنما كانت الغلبة على فتنة المرتدين فتحا جديدا لهذا الدين الناشئ، كأنما استأنفت الدعوة إليه من جديد… وقد شاء القضاء أن يكون أبو بكر بطل الإسلام في حروب الردة غير مدافع. فهو صاحب الشرف الأول بين ذوي الرأي وذوي العمل في تلك الحروب).
وكان الأذان هو الحكم الفصل في تلك الفتنة بين المسلمين والكافرين، كما سيتبين من كتاب الصديق إلى أمرائه الذين بعثهم إلى قتال المرتدين. (سننشر نص هذا الكتاب في حلقة قادمة إن شاء الله).
والأذان من شرائع الإسلام، ومن خصائص هذه الأمة. ولذلك كان أهم ما استهدفه المستعمر عند دخوله بلاد المسلمين الأذان، والمساجد.
وقد جيش المستعمر أذنابه لتسفيه الأذان ورموزه. ومن هؤلاء الكاتب محمد خلوطي (الذي اختار له اسم كاتب ياسين)، وكان شديد الاستهزاء بشعائر الإسلام، شديد العداء لأهله، ولذلك صرح في أواخر حياته لمجلة فرنسية قائلا: (أنا لست لا عربيا، ولا مسلما، أنا جزائري)، وكأنه يريد أن يخلع عن الجزائر هويتها العربية والإسلامية.
ومن مظاهر محاربته الأذان أنه نشر يوما صورة لصاروخ، وصورة لمئذنة، وكتب تحت المئذنة: (الصاروخ الذي لا ينطلق)، وقد نقل ذلك الشيخ الجزائري عبد اللطيف سلطاني في كتابه: (المزدكية هي أصل الاشتراكية).
ومناسبة هذا الحديث ما أثاره تصريح وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن حين تساءلت أمام وزير الأوقاف، بحسب ما تناقلته الصحف: هل من الضروري أن يتعالى أذان صلاة الفجر قرب الإقامات والمركبات السياحية؟ وهو حجر ألقت به لترى ردود الفعل.
ورغم أنها أدلت بعد ذلك بتصريح صوتي، تقول فيه إن الناس حرفوا كلامها، وإنها انتقدت فقط “مكبر الصوت”، إلا أن الجوهر بقي قائما، حين دعت إلى إلغاء مكبر الصوت لأنه ليس مقدسا، وكأن الناس يعيشون في قرى لا يتجاوز عدد سكانها العشرات.
وقد حدثني فقيه أن والي المدينة دعاه يوما، واستفتاه في أذان الفجر والتهليل الذي يزعج المرضى، فرد عليه إنّ المغاربة يسمون المؤذن الذي يهلل قبل أذان الفجر: “مؤنس المرضى”.