إنه الكتاب الذي يعادل عشرة أضعاف ما يطبع في المغرب من الكتب ، 25 مليون نسخة تطبع من الكتب المدرسية سنويا في المغرب ، ويتداوله ما يقرب من 8 ملايين من التلميذات والتلاميذ ، انتقل من الكتاب الواحد الى الكتاب المتعدد بناء على دفتر تحملات يتضمن معايير علمية وبيداغوحية وفنية، ومسطرة للمصادقة ، ودور نشر تستثمر ملايير الدراهم للطباعة والتوزيع ومآت المؤلفين في مختلف المواد الدراسية، وآلاف الأساتذة الذين يتعاملون معه كل يوم في الاقسام الدراسية ،
تجربة تعددية الكتاب المدرسي استمرت ما يقرب من ربع قرن دون أن تخوض تجربة التحرير ، تشرفت بالإسهام في مجموعة من محطاتها بدءا بعضوية اللجنة البيسلكية متعددة التخصصات لإعداد الكتاب الابيض للبرامج والمناهج ، إلى عضوية اللجنة المكلفة بوضع دفاتر التحملات لتأليف الكتب المدرسية، فعضوية لجنة المصادقة على الكتب المدرسية المعتمدة ، إلى إعداد أول حقيبة تعليمية متعددة الوساىط لتدريس مادة التربية الإسلامية في أول تجربة مغربية من نوعها ، واستعمالها في تنظيم عشرات الدورات التدريبية لأساتذة المادة على صعيد معظم أكاديميات المملكة ،
إلى الاشراف على لجن علمية لتقييم البرامج والمناهج وتاليف الكتب المدرسية بطلب من ببعض وزارات التربية والتعليم بدول عربية ، والاشراف على تأطير دورات تدريبية للمشرفين على تطوير البرامج التعليمية وتأليف الكتب المدرسية وإدماج التكنولوجيا بتكليف من هيئات دولية مختصة ومنظمات مانحة،
إلى خوض تجربة تاليف اول كتاب رقمي لمادة التربية الإسلامية تحت إسم “المساعد” في نسخته الأولى والتي توجت في المعرض المغربي الاول لتكنولوجيا التعليم بشهادة تقديرية كانت توازي ساعتها براءة اختراع ، فالوسيط في التربية على القيم الإسلامية ، والمشاركة بهذه التجربة في مؤتمر تكنولوجيا التعليم المنعقد بالكويت بداية الألفية والذي تم فيه عرض آخر التجهيزات ومنها آنذاك السبورة التفاعلية التي كانت تثير الاعجاب ، والكتاب المدرسي الرقمي وغيرها ، إلى إعداد دلائل الجودة في مادة التربية الإسلامية بتكليف من منظمة الايسيسكو ، ثم عضوية اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج بالمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.
كل ذلك مكن من الاطلاع على تجارب مختلفة في بناء المناهج التعليمية وتاليف الكتاب المدرسي والتعرف على الفرص المتاحة لتطويره وطنيا ودوليا.
استحضرت هذه التجربة الغنية التي كنت فيها ثالث الاستاذين العظيمين الدكتور محمد الراضي والدكتور السعيد الزاهري ، وانا اتابع اليوم عن بعد أشغال الندوة التي عقدها المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي بالمعرض الدولي للكتاب وأطرها خبير المناهج ومديرها بالوزارة الوصية وعضو المجلس الأعلى والمفتش العام للوزارة حاليا الاستاذ فؤاد شفيقي ، وشارك فيها خبراء وفاعلون ومهتمون.
وقد قدم السيد المفتش العام عرضا ضافيا عن التجربة المغربية لبناء المناهج التعليمية وتأليف الكتب المدرسة ، معزز بأرقام وإحصاءات وخلاصات تقييمه للتجربة من زاوية الإشراف المباشر على هذا الورش الكبير، خاصة منذ انطلاق العمل بالميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض للبرامج والمناهج ، وتجربة تعددية الكتاب المدرسي هذه التجربة التي عمرها اليوم يقارب ربع قرن ، والتي راكم فيها المغرب تجارب غنية آن الأوان لتقويمها ، ثم وضع خطة استشرافية لتطوريها حتى تستحيب للتحولات العميقة التي تعرفها المنظومات التربوية عبر العالم خاصة في عصر الرقمنة والوسائط المتعددة ، والذكاء الاصطناعي ، وتحديات القيم ، والتي يتوقع المراقبون انها ستدخل الكتاب المدرسي الورقي إلى المتحف على المدى المتوسط.
وكان من المنتظر في هذه الندوة أن يركز النقاش على هذه القضايا بالذات ، وأثرها في تطوير الوساىط التعليمية ، بما في ذلك الكتاب المدرسي الرقمي التفاعلي المتعدد الوسائط ، خاصة وانها الندوة الثانية التي عقدها المجلس الاعلى بعد الندوة الافتتاحية التي تناولت بالمنافسة موضوع المدرسة الجديدة في ظل التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والتي أطرها الخبير الدولي الدكتور رشيد الازمي وافتتحها الاستاذ الحبيب المالكي رئيس المجلس الأعلى.
عوض أن يثير النقاس القضايا التقليدية ذات الصلة بإشكاليات التاليف والطباعة والنشر والتوزيع وتحرير الكتاب المدرسي ، والحديث عن أثمنه البيع ودعم الحكومة إلا في سياق التقييم وليس الاستشراف.
لقد أثار بعض الحاضرين وخاصة منهم بعض الأساتذة الممارسين بعض الأسئلة الجوهرية من قبيل الصعوبات العلمية والبيداغوحية التي يجدها بعض الأساتذة في التعامل مع الكتاب المدرسي والتي تعود أسبابها الى عدم جاذبية الكتاب المدرسي التقليدي لدى المتعلمين ، وعزوفهم عن التعامل معه ، وهذا في نظرنا شىء طبيعي ومتوقع في غياب الحديث عن الكتاب المدرسي الرقمي والتأخر في إخراجه الى حيز الوجود ، والتغيرات التي طرأت على وسائط التعلم لدى التلاميذ بعد انتشار الهاتف النقال واللوحات الالكترونية ، هذه التحولات التي ستدخل النموذج التقليدي للمدرسة برمته الى المتحف في المدى المنظور ، وليس الكتاب المدرسي فقط .
لقد كشفت الندوة عن أسئلة ملحة ومقلقة حول الكتاب المدرسي الورقي برمته قبل الحديث عن التعامل معه وتدبير سوقه، وضرورة تقييم التجربة المغربية في هذا المجال واستشراف آفاقها في ضوء هذه التحولات، وهذا يؤكد بداية على مركزية مأسسة الاشتغال في هذا الورش من خلال الاسراع بإخراج اللجنة الدائمة للبرامج والمناهج التي صدر المرسوم المحدث لها اكثر من سنة ونصف ، الى حيز الوجود لتفتح تقييم هذا الورش الكبير وتضع مخططا لتطويره في ضوء التحديات سالفة الذكر ، فهي الآلية التي أوكل إليها القانون حصريا هذا الاختصاص خاصة وأنها تضم في عضويتها ممثلين عن كل الفاعلين، كما تضم خبراء في علم النفس وعلم الاجتماع وتكنولوجيا التعليم وشركاء اقتصاديين واجتماعيين ، ومن عالم التاريخ والثقافة والقيم ، وأوكل إليها القانون إعداد دلائل الجودة في المناهج الدراسية والكتب المدرسية.
شكرا للمجلس الأعلى على فتح هذه الفرصة للنقاش ، وعسى أن تكون هذه المبادرة خطوة في مسار تطوير البرامج والمناهج ، وبناء استراتيجية وطنية لاخراج الكتاب المدرسي الرقمي التفاعلي بل والمدرسة المغربية الرقمية الى حيز الوجود في أقرب فرصة ممكنة ، فقد تأخرنا كثيرا بالمقارنة مع دول مماثلة لها نفس ظروفنا وإمكانياتنا ، وأعتقد أن كسب هذا الرهان ليس عن الطاقات والخبرات المغربية بغريب ولا بعيد.