“لا أفتقدُهُ” و “الحياة الهنيَّةٌ” و “والدةُ إينشتاين”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
“لا أفتقدُه” ………
و لَكِنَِّني أَحيَانًا أَنسَى أَين أَنَا
أَتَخَيَلُ نَفسِي دَاخِلَ تِلك الحَيَاةِ مَرَّةً أُخرَى.
صَبَاحَاتٌ قَاسِيةٌ رُبَّمَا الشَمسُ
أو عَلَى الأَرجَحِ الضَّوءُ البَاهِتُ
يُنَقِّي طَرِيِقَهُ نحو غَمَامَةٍ مُشَوَّهَةٍ.
وكُلمَا اعتَقَدُتُ أنَّني لم أُغَادِرْ
تَعُودُ ذِكرَيَاتِي مَعهُ. أَرِيِكَتُنَا ، ودُخَاني
يَتَسَلقُ الجُدرَانَ بَينَمَا تَتَسَاقَطُ السَّاعَاتُ مُقَاوِمةً ضَجِيِجَ المُرُوُرِ والمُوسِيِقَى.
كُلٌّ مُتَيَقِظ إلى صَوتِ مِفتَاحِكَ في البَابِ
ويَمْضِيِ ذَلَك الشُعُورُ سَرِيِعًا في صَدرِي.
سواءٌ كُنتُ في النَهَارِ أو اللَّيلِ
لم أَكُن حِيِنَهَا سِوَى صَوتِ طَنِيِنٍ
لِشَيءٍ آخر غَير الانتِظَارِ.
نَسمَعُ الكَثِيِرَ عَنْ شُعُورِ الحُبِّ
الآن ، و اليوم ، و في الخَارِجِ مع المَطَرِ الذي تَحتَاجُهُ الأوراقُ بِقَدرِ ما أحتَاجُهُ لِأُؤمنَ به في مَايُو والفُصُولِ التي تَهِلُّ بالنِدَاءِ.
من المُستَحِيِلِ أَلَّا أحْتَاجَكَ
أن أخّطُوَ نَحوَ الغُرفَةِ المُجَاوَرةِ
وأسمَحُ لك بأن تُمَرِّرَ يدَيكَ ؛
على جَانِبَيْ ساقَيَّ.
و يَعرِفُون جَيدًا ما يَعرِفُونهُ .
ـــــــــــــــــــــ
“الحياةُ الهَنِيَّةٌ” ……..
عِندَمَا يَتَحَدَّثُ بَعضُ النَاسِ عن المَالِ
يَتَحَدَثُونُ عنهُ كَمَا لو أنَّهُ حَبِيبٌ غَامِضٌ ذَهَبَ لِيَشتَرِيَ الحَلِيِبَ و لَمْ يَعُد أبَدًا
ذَلك يَجعَلُنِي أشعُرُ بِالحَنِينِ
إلى السَّنَواتِ التي عِشتُهَا على القَهوَةِ و الخُبزِ
جَائِعةً طَوَال اليَومِ أَذهَبُ مَشيًا إلى العَمَلِ يَومِ قبْضِ الرَوَاتِبِ
بوصفي امرَأةً مِنْ قَريَةٍ بِلا بِئرٍ
تُسافِرُ مِنْ أجْلِ الماءِ
ثُم تَعِيشُ لَيلةً أو لَيلَتَينِ
على الدَّجَاجِ المَشْوِيِّ و النَبِيِذِ الأَحمَرِ
كَأيِّ شَخصٍ آخَر.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
“والدةُ أينشتاين“………………
هل كَانَ صَامِتًا لِبَعضِ الوَقتِ أم
ذَرَفَ دُمُوعَهُ كُلَّها؟.
هل رَفَعَ يَدَيه
إلى أُذْنَيهِ حتَّى يَصرُخَ و يَصرُخَ و يَصرُخَ؟
هل أَكَلَ بِقَبضَتَيِهِ فقط؟
هل كَانَ يَأكُلُ
كَمَا لو كَانَ شَيءٌ ما بِدَاخِلهِ لَم يَأكُلْ
مِن قَبل؟
هل أَحنَى ظَهرَهُ و ضَرَبَ بَكَعبَيهِ على الأَرضِ في الدَّقِيِقَةِ التي كَانَ يَبحَثُ فِيِهَا عَن شَيءٍ مَا؟
هل شَعَرتَ بِأنَّكَ عَاِلقٌ هُنَاكَ
تَرغَبُ في تَركِ كُلِّ شَيءٍ و تَهرَبُ
ليتِمَ استِرجَاعُكَ مَرةً أُخرَى إِلَى
المَكَانِ الذي انْبَثَقَتْ مِنهُ رَوحَاكَ
المُتَشَابِكَتَان؟
هَل شَعَرتَ مِنْ قَبل
بِأن ثِمَّةَ شَيئًا يَتَصَاعَدُ دَاخِلَك.
شَبَحٌ نَارِيٌّ أَبيَضُ.
هَل شَعِرتُ
بِالشَفَقةِ و لِمَنْ؟.
تريسي ك سميث ” شاعرة تحمل شعار( الشعر للجميع)”
ولدت الشاعرة الأمريكية تريسي ك سميث في ولاية ماساتشوستس بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٧٢ ونشأت في فيرفيلد بولايةكاليفورنيا.
درست في جامعة هارڤارد حيث انضمت إلى ” مجموعة الغرفة المظلمة” Dark Room Collective و هي سلسلة قراءة للكتَّاب الملوَّنِينالتي أنشأتها شاران سترانچ عام ١٩٨٨، و قد حصلت سميث على درجة الماچستير في الكتابة الإبداعية من جامعة كولومبيا ، وعلى زمالةستيجنر في جامعة ستانفورد من عام ١٩٩٧ إلى عام ١٩٩٩.
ومن أهم أعمالها : ” سؤال الجسد” The Body’s Question عام ٢٠٠٣ و ”دويندي” Duende عام ٢٠٠٧ و ” الحياة على المريخ” Life on Mars عام ٢٠١١و ”الخوض في الماء” Wade in the Water عام ٢٠١٨ ومذكرات بعنوان ” ضوءٌ عاديٌّ” Ordinary Light عام ٢٠١٥ و التي وصلت إلى المرحلة النهائية لجائزة الكتاب الوطني في الأعمال الواقعية.
حصدت تريسي ك سميث الكثير من الجوائز منها : جائزة مؤسسة رونا چافي للكتاب Rona Jaffe Foundation Writer’s Award وجائزة كيڤ كانيم Cave Canem عام ٢٠٠٢ عن كتاب ” سؤال الجسد ” وسميث هي أول شاعرة أفرو أمريكية تحصد هذه الجائزة وجائزة وايتنج Whiting Award عام ٢٠٠٥ وهي مخصَّصة للكُتّاب الناشئين و جائزة چيمس لافلين James Laughlin Award عام٢٠٠٦و هي مُقدمة من أكاديمية الشُّعراء الأمريكيين و قد حازت سميث على هذه الجائزة لعملها الشعري ” دويندي ” كثاني أجمل مجلدلشاعر ؛ يُنشر في الولايات المتحدة الأمريكية و جائزة ” مجلة إيسنس الأدبية ” Essence Magazine’s Literary Award في عام٢٠٠٨ وتُقدم لأفضل عمل أدبي أفروأمريكي و جائزة بوليتزر للشِّعر Pulitzer Prize for Poetry لكتابها الشِّعريِّ ” الحياة علىالمريخ”.و جائزة ” الكتاب الوطني” National Book Award عام ٢٠١٥ لعملها الشِّعريِّ “ضوءٌ عاديٌّ” و جائزة روبرت كريلي Robert Creeley Award عام ٢٠١٦ وجائزة جولدن بليت Golden Plate Award عام ٢٠٢٢.
تتنوَّع تيمات سميث بين الفقد والحُزن وتاريخ أمريكا و معاناتها من التفرقة العنصرية واختلافات العِرْق ودور العائلة في الحياة بالإشارةإلى الثقافة الشعبية وأيضًا وصفها الدقيق للأحداث، وقد تأثرت سميث بالعديد من الشُّعراء منهم : إليزابيث بيوشوب وفيليب لاركن وريتادوڤ.
ومن المُلاحظ أيضا أن ريتا دوڤ و تريسي ك سميث شاعرتان من أصل أفروأمريكي لذا فنجد أن تيماتهما متشابهتة لأنهما عاشان المعاناةنفسها ومن هنا جاء تأثر سميث بريتا دوڤ و أيضًا حصدت الشاعرتان ريتا دوڤ وتريسي ك سميث جائزة البوليتزر في سن مبكرة .
قصائد سميث تتسم باللغة البسيطة و العميقة ،فأرادت أن تمنح قصائدها للفئات الكادحة أيضا و ليس لفئة محترفي قراءة الشعر فقط ،فكتبتها بلغةٍ شعريةٍ بسيطةٍ و دقيقةٍ و عميقةٍ تصل إلى كل مواطن فقيرًا كان أم غنيًّا، فمعاناتها من التفرقة العنصرية طوال حياتها دفعتهاإلى الدفاع عن حقوق من عانوا المعاناة نفسها وبث الأمل في نفوسهم بكتابة قصائد عميقة المعنى وبسيطة اللغة ، فقصائدها تحملمعاني مخفية كثيرة ، فعندما تقرؤها للمرة الأولى تتوهم أنَّها تتحدث عن أحداثٍ يوميةٍ عاديةٍ و لكنها في واقع الأمر قد تُشير إلى واقع مؤلم وأحداث مؤلمة قد مرت بها من قبل ويمر بها من يشبهها، ففي قصيدة ” الحياة الهنية ” The Good Life ، برعت سميث في وصف معاناةفترة صعبة قد مرت بها في حياتها :
‘’Hungry all the time , walking to work on payday
Like a woman journeying for water
From a village without a well’’
”جَائِعةً طَوَال اليومِ أَذهَبُ مَشيًا إلى العمل يومَ قبْضِ الرَوَاتبِ
بوصفي امرَأةً منْ قَريةٍ بِلا بِئرٍ
تُسافرُ من أجلِ المَاءِ”
” جائعة طوال اليوم ” Hungry all the time جملة قاسية تحمل الكثير من المعاني المؤلمة أي أن الرواتب كانت لا تكفي شهرا واحداكاملا فكانت تشعر بالجوع طوال الوقت وذكرت أيضا في القصيدة أنها كانت تعيش فقط على القهوة والخبز وتأكل لحما مشويا و وتشربنبيذًا أحمر فقط مرتين في الشهر .
قصيدة جسدت واقعًا مؤلمًا قد عاشته سميث فترةً من حياتها و قد عبَّرت فيها عن معاناة من هم من أصل أفروأمريكي.
أما عن قصيدتيْ ”لا أفتقدهُ ” I Don’t Miss it و ”والدة إينشاتين” Einstein’s Mother ، فتناولت تيمات الحزن والفقد والوحدة ودور العائلة في بناء شخصية الإنسان .ففي قصيدة ” لا أفتقده ” استخدمت سميث كلمات تدل على إحساسها بالفقد والحنين إلىذكرياتها مع حبيبها و تركه لها وإحساسها بالوحدة دونه :
‘’And when I begin to believe I haven’t left
The rest comes back.Our couch.My smoke
Climbing the walls while the hours fall’’
”وكُلمَا اعتَقَدْتُ أنَّني لم أُغَادِرْ
تَعُودُ ذِكرَيَاتِي مَعهُ. أَرِيِكَتُنَا ،و دُخَاني
يَتَسَلقُ الجُدرَانَ بَينَمَا تَتَسَاقَطُ السَّاعَاتُ”
وفي قصيدة ” والدة إينشاتين ” Einstein’s Mother تحدثت الشاعرة عن دور العائلة في بناء شخصية الإنسان فتحدثت عن معاناةإينشاتين في طفولته حيث كان يُعامل معاملة سيئة من عائلتة و بخاصة والدته ، ومن الملاحظ في هذه القصيدة أنها عبارة عن أسئلة متتالية ولكن سميث لم تضع لها علامات استفهام كما هو المعتاد في الجمل الاستفهامية ، أما بالنسبة لي فترجمت القصيدة بتصرف مني بوضععلامات استفهام لكل الأسئلة وذلك للدقة اللغوية والتوضيح أيضًا.
تريسي ك سميث ، شاعرة مختلفة ببساطتها اللغوية و الإنسانية ، استطاعت أن تجسد معاني إنسانية كثيرة كالفقد والحزن والتفرقةالعنصرية بلغة شعرية بسيطة وعميقة تُشعر القاريء بالتعاطف والإحساس بالآخرين وتجبره أيضا على التخيل، فقد قالت ” توا ديريكوت” مستشارة الأكاديمية الأمريكية للشعراء عن تريسي ك سميث : ”ظاهر قصائد تريسي ك سميث دومًا جميل وهاديء ولكن في عمقها قدتجد رحابة غامضة ، فقصائدها دوما تخاطر بدعوتنا إلى التخيل كما يفعل الشاعر عندما يعبِّر عن مشاعر وأحاسيس الآخرين بدلًا عنهم”.