قراءة في كتاب علم الإجرام للدكتورة السعدية مجيدي
الكتاب مهم للمبتدئ و الباحث ، و حتى المواطن العادي ، في عالم تطورت فيه أنواع الجريمة و تعددت ، نجد أنفسنا في حيرة أمام العدد المتزايد من الجرائم التي جرمها المشرع كما و نوعا ،كما نجد تحديات متعددة للسياسة العقابية التي من شانها أن تردع الجريمة و تحد منها ، مما يجعلنا نطرح عدة اسئلة، و نلجأ إلى علم اختص أساسا بجلاء ألغاز الجرائم و تخصص في سببيتها و دوافعها التكوينية و التكاملية .
في قراءة لكتاب علم الاجرام للدكتورة السعدية مجيدي ، نعود الى طرح الاسئلة التي طرحها الرواد ، و التي اجابت عليها المؤلفة بطريقة بيداغوجية و علمية ميسرة تستكنه ابعاد وأسباب السلوك الاجرامي في المجتمعات الانسانية ..الكتاب مشبع بالمعلومات و الافكار و الاستنتاجات حول انثربولوجيا المجرم و الجريمة مما يجعلنا نحاول ان نلامس فقط بعض محتوياته و نجد انفسنا نتعلم من درس علم الإجرام المتميز في مجال جامع هو الدرس الانثربولوجي ..
فهل الجريمة ذات طبيعة بشرية مرتبطة بالعامل الفيزيولوجي للمجرم و تكوينه الجسدي و العضوي ..أم لها علاقة بتكوينه النفسي و بعض الاختلالات التي تصيب الجهاز النفسي للانسان و تدفعه إلى السلوك الاجرامي ..
ام أن ظاهرة الإجرام لها علاقة بالبيئة و الوسط الاجتماعي المساعد على تحققها ، ام انها نتيجة تكامل و تفاعل بين عوامل ذاتية شخصية كالتكوين الفيزيولوجي و التكوين النفسي و البيئة الاجتماعية من اسرة و تعليم، و البيئة الاقتصادية و الثقافية و السياسية ، و كل من هذه العوامل يساهم بنصيب معين في تكوين الدافع الاجرامي و تنامي و تشكل الجريمة ..
فكيف يتم الانتقال الى الفعل و السلوك الإجرامي ، و ما هي المراحل التي يمر منها الفعل الجرمي، و ماهي طباع المجرم و هل تستوجب كل جريمة طباعا معينة ؟؟؟.
في التقديم تناولت الكاتبة كون الظاهرة الإجرامية قديمة قدم تواجد الانسان ، في إطار الصراع بين الشر و الخير ، و كون التقدم الحضاري و تعقد تصرفات الأفراد قد أدى بالتالي إلى تعقد السلوك الاجرامي ،و تطور سياسة التجريم و العقاب ، إلا أن طريقه تنفيذ القانون لم تمنع الجريمة من الاستمرار ، كما لم تمنع المجرم من العودة الى الإجرام..
و في البداية يمكن تعريف المجرم ببساطة بكونه أولا و قبل كل شيء مجرم في حق إنسان أخر، بل في حق أفراد المجتمع عامة..
و رغم تقدم المجتمع الانساني و سيره في ركب الحضارة ، فقد تطورت الجريمة من سيئ الى أسوا ، الشيئ الذي اجبر الإنسانية على إعادة النظر في المشكل الإجرامي، و محاولة التصدي له بوساءل أكثر علمية.. هكذا ظهر علم الإجرام كأداة لكشف بعض أسرار بعد السلوك الإجرامي عند الإنسان..
لقد تناول الكتاب نبذة تاريخية حول علم الإجرام، و تعريف علم الإجرام و فروع علم الإجرام الذي يتفرع إلى ثلاثة فروع : علم الإنسان الجنائي، علم النفس الجنائي ، وعلم الاجتماع الجنائي ..
إذن كان لا بد في البداية من تأطير معرفي لعلم الإجرام ،و تناول سبعة مداخل للمقاربة ، فليست الجريمة مظهرا فرديا في المجتمع، بل هي ظاهرة بيولوجية و نفسية كما اشار إلى ذلك علماء البيولوجيا الجنائية ، و محللو النفس البشرية ، و اجتماعية كما وصفها المختصون في علم الاجتماع ، حيث لا نجد مجتمعا خاليا منها ،مما جعل العالم الايطالي أنريكو فيري يتحدث عن نسبة الجريمة و الكثافة الإجرامية في المجتمع .
مداخل الكتاب :
المدخل الأول: مدخل تاريخي يوضح كيف تعامل المفكرون و الفلاسفة مع الظاهرة الإجرامية ، و انتقلوا من التأمل المجرد الافتراضي النظري الى مرحلة الدراسة العلمية الصحيحة باستخدام المنهج التجريبي، و دراسة المجرم بدل الاهتمام بالجريمة ، و الاهتمام بعلم الاجتماع الجنائي و دور البيئة الاجتماعية في ارتكاب الفرد للجريمة، إلى أن انشأت معاهد و مراصد علم الإجرام …
المدخل الثاني تعريفي يعرف علم الجريمة،بأنه علم تركيبي تكاملي يهتم بدراسة الجريمة بوصفها ظاهرة فردية و اجتماعية، مما يظهر صعوبة التعريف لحداثة هذا العلم و تشعبه و اتساع نطاقه ، فعلم الاجرام يعني بدراسة الجريمة كظاهرة في حياة الفرد و المجتمع من اجل الكشف عن أسبابها و سبل علاجها ..
المدخل الثالث عن مكونات و تشعبات علم الاجرام ،حيث يشمل علم الاجرام عدة فروع مثل علم الانسان الإجرامي او علم طبائع المجرم او البيولوجيا الجنائية، الذي مثله لومبروزو الذي أشار إلى العلاقة الثابتة بين التكوين العضوي للمجرم و الجريمة، و علم النفس الجنائي الذي ركز على التكوين النفسي للمجرم و الخلل في التكوين النفسي الذي يكون وراء سلوكه الإجرامي ، و علم الاجتماع الجنائي الذي يهتم بدراسة البيئة الاجتماعية للمجرم ..
المدخل الرابع موضوعي، من خلال تحديد موضوع علم الاجرام باعتباره ينصب على موضوعين رئيسين الجريمة و المجرم ، ومفهوم الجريمة في الدراسات الاجرامية سواء المفهوم القانوني للجريمة، باعتبارها ذلك الفعل او الامتناع المخالف لأحكام القانون الجنائي و المعاقب عليه بمقتضاه، او مفهومها الاجتماعي باعتبارها كل فعل ضار بمصالح الجماعة الاساسية ، فالمجتمع هو الذي يخلق الجريمة كما يرى علماء الاجتماع..
كما تعرض الكتاب لمفهوم المجرم في الدراسات الإجرامية بين القانون الجنائي و علم الإجرام، فالأول يعتبره كل شخص يرتكب جريمة بمفهومها القانوني و الذي أدين بحكم قضائي نهائي ، أما في الدراسات الاجرامية فهو كل شخص ارتكب سلوكا ينص القانون على تجريمه، و المجرمون ليسوا على نوع واحد مما قد يفيد في تحديد الأسباب، و معرفة العوامل التي تدفع لارتكاب الجريمة للوقاية منها و حماية المجتمع ..
خامسا مدخل موضعي يحاول معالجة تموقع علم الاجرام داخل العلوم الجنائية حيث نجد تصنيفات متعددة…
التصنيف الأول الواسع الذي يدخل كل مواد العلوم الجنائية في حقل علم الإجرام، او يدخل علم الإجرام و غيره من المواد في مجال القانون الجنائي..
التصنيف الثاني الضيق الذي يعتبر أن علم الإجرام لا يتجاوز دراسة السببية الاجرامية ، ويميزه عن القانون الجنائي الذي يهتم بالافعال المحظورة و بالعقوبات التي تترتب على اتباثها ، من خلال مبدا شرعية الجرائم و العقوبات ، و علم العقاب الذي يهتم بالدراسة العلمية للجزاء العقابي ، و علم التحقيق الجنائي الذي يهتم بالبحث عن الادلة و القرائن التي تثبت مادية الفعل الاجرامي، و السياسة الجنائية باعتبارها العلم الذي يبحث في الوسائل و الاساليب التي تستعين بها الدولة لمكافحة الجريمة..
ويقدم علم الاجرام عدة فوائد ، فمن الناحية التشريعية يدفع إلى سن قوانين مناسبة من اجل مكافحة الجريمة ، و من الناحية القضائية التعرف على المجرم و تفريد العقوبة، و من الناحية العقابية التوجيه إلى انسب وسائل المعاملة العقابية…
المدخل السادس يتناول مناهج علم الاجرام الذي يعتمد الملاحظة والتجربة العلمية، و يتوسل بعدد من المناهج كالإحصاء الجنائي الذي يعتبر أهم وسيلة يعتمدها علم الإجرام النظري في دراسته كترجمة حسابية للظاهرة الاجرامية ، و المسح الاجتماعي الذي يعتمد عليه علم الاجرام النظري : الاستبيان و المقابلة ، الأسلوب الايكولوجي او دراسة البيئة ، أسلوب دراسة السيرة الذاتية للمجرم ..
و مناهج علم الاجرام الاكلينيكي او العيادي الذي يعتمد فحص المجرم طبيا و نفسيا و اجتماعيا، و الاعتماد على ملفه الشخصي الذي يسهر عليه فريق علمي عيادي ..
المدخل السابع مدخل توصيفي لعلم الإجرام و مدى علميته مابين منكر لها ، و مؤيد لطبيعته العلمية كواحد من العلوم الاجتماعية و الانسانية …مما يؤكد نسبية المفاهيم التي تشكل موضوع علم الاجرام، الجريمة و المجرم، فالظاهرة الإجرامية ليست لها قوانين عامة بحيث يكون الباحث في علم الاجرام ملكا من دون مملكة..
كما تناول الكتاب موضوع علم الاجرام ، ومفهوم الجريمة القانوني و الاجتماعي و مفهوم المجرم ، و تناول مكانة علم الاجرام، داخل العلوم الجنائية كعلم التحقيق و علم العقاب و السياسة الجنائية و القانون الجنائي …
ثم أساليب البحث في علم الإجرام، كعلم الإجرام النظري و الإحصاء الجنائي و المسح الاجتماعي كما تناول مناهج علم الإجرام العيادي…
و انتقل الكتاب بعد هذه التوطءة النظرية الى الحديث عن المدارس و التيارات الفكرية و النظريات التي حاولت تفسير الظاهرة الإجرامية و ظهور السلوك الإجرامي ، كالمدرسة التكوينية الاوربية و المدرسة التكوينية الامريكية ، و دور التفسير النفسي و التفسير الاجتماعي و التكاملي في استجلاء الدافع الاجرامي ، و كذا دور النوع و الجنس و الدين و الثقافة و التعليم و الاسرة و الإعلام في الجريمة ..هذا غيض من فيض …فانثروبولوجيا الجريمة ما فتءت تستمد ضوءها من هكذا مؤلفات متميزة ، ومن جهود أستاذات و أساتذة باحثين في المجال السياسة الجناءية في المغرب
، من فتحوا أبواب البحث الانثربولوجي الجناءي على آفاق مستقبلية واعدة فكل الشكر لهم ….