الكل يعلم أن مصفاة لاسامير، في الأصل، لبنة من لبنات المعمار الاقتصادي العمومي، ودعامة من دعامات السيادة الوطنية، والأمن الاقتصادي، الطاقي بالخصوص.
إنجازٌ من أهم إنجازات حكومة عبدالله ابراهيم التي لم يُكْتبْ لها أن تُعمّر سوى أقل من سنتين (1958 -1959). ولأسباب لا علاقة لها ب « الجدوى » الاقتصادية، والاجتماعية للمصفاة، تمت خوْصصتُها في زمن « العولمة الضاحكة» (سنة 1997، مقابل ٤ مليار درهماً). كان يقال عن المؤسسة العمومية : ما أصابت هدفها، وما ربحت تجارتها. وقيل عن المقاولة الخاصة إنها أجدر في الكسب، والتَّربُّح، وأنجع من حيث التنافسية، وأقدر على التزوُّد من السوق الدولية للمحروقات بأفضل الأسعار. في المحصلة، لم تكن المقاولة الخاصة أجدر، ولا أنجع، ولا أقدر. بل آلت، في غفلة، أو تغافُل، من الدولة، إلى الإفلاس (21 مارس 2016).
ومنذ ذلك التاريخ، وشركة لاسمير في برزخ تنتظر المآل. جرُؤَتْ حكومة عبدالإله بنكيران (1 دجنبر 2015 على تحرير سوق المحروقات، ولم تجرُؤْ على « التقنين » الذي وعدت به البلاد والعباد. وكما كان متوقَّعاً، التهبت أسعار البنزين، وسرى سعيرها في مفاصل الاقتصاد كالنار في الهشيم.
وضع مجلس المنافسة، بعد البرلمان (28 فبراير 2018)، تقريراً في الموضوع (4 فبراير 2019)، فيه تشخيص للداء، وتوصيف للدواء. عادت « حكاية » لاسامير إلى الطفو مع الحرب الأوكرانية، حيث افتقد الناس الدور المنوط بها في ضبط السوق، وفي تليين تذبذب الأسعار، وفي تأمين المخزون الاستراتيجي تحسباً للنوازل. تأجَّج الطلب الشعبي على عودة لاسامير إلى « المحفظة » العمومية.
للحكومة « تقدير موقف » معاكس، أمْعَنت فيه، لا ترى عنه بديلا. لاسامير ذهبت ريحُها، ولا نية في إنقاذ ما تبقَّى من أصولها المادية، ومن مجْدها اللامادي. هذا الموقف المعاند للحكومة محكوم بالإيديولوجيا الليبرالية التي يَصْدُر عنها، وهو حكم فيه نظر، لكنه مُدْركٌ من وجه.
ما لا يُدْرك من كل وجه هو أن تُروِّج الحكومة، على لسان الناطق باسمها، لخطاب يُبخِّس من قيمة لاسامير، التي هي، كما سبقت الإشارة، من التراث الاقتصادي العمومي، ويعطي إشارة سلبية للسوق حول شروط إعادة تشغيلها سواء من طرف الدولة، أو القطاع الخاص. هذا الأمر يَحُثُّني على أن أهمس في أذن الوطن : كن حريصاً، ولا تبع رخيصاً. « الثمن ما تدْفعُه، والقيمة ما تقْبِضُه »، و(المستثمر الذكي) هو « من يبيع للمتفائلين، ويشتري من المتشائمين » يقول بنيامين جراهام (B. Graham, L‘investisseur intelligent, 1972). شركة لاسامير ليست سهْماً زهيد السعر، بل هي قيمة وطنية، ثروة سيادية، واستعادتُها عملية استباقية، استثمار ذكي، واستراتيجية تنموية.