ونحن في عز الصيف ، وارتفاع درجة الحرارة يشعرنا بأننا أضعف مما نتصور ، اختناق وعدم قدرة على نأتي بأية حركة، العرق المتصبب من الجميع ، وأحيانا الروائح الكريهة المنبعثة من بعض الأجساد التي تخاصم النظافة ، ولاتاخد حقها من التنظيف والاعتناء ، لتكون وبالا على من يقع انفه في فخها، فيؤدي ثمن ذلك باهضا .
طبعا ، لن تكون مجبرا على ذلك، لو كنت في فضاء يؤمن لك شروط استنشاق هواء نقي ، لكن ، إذا كنت ممن كتب عليهم /ن أن يتواجدوا داخل إدارة مغربية عمومية ما ، فالأمر يختلف بالتاكيد ، حيث إنك سوف تعيش حالة تقزز ، وتذمر، وسخط على وجودك في طابور ينتظر أن يمنح تذكرة دخول، كخطوة أولى إلى حيث يجلس موظفان بدل الخمسة الفارغة مقاعدهم /ن، موظفان عليهما أن يقدما الخدمات للعديد من المتقاعدين، الذين واللواتي أغلبهم /ن، طعنوا في السن، واحتاجوا إلى الشرح المستفيض، وأحيانا يحملون معهم/ن العديد من الأسئلة التي يرغبون في فك شفراتها.
وأنت تنتظر، تتعلم المعنى الحقيقي للصبر، وللتبرير، تهوين ما أنت بصدد ما تعيشه وأنت في حالة ترقب ، ليتحول الزمن إلى محور اهتمامك ، تنظر إلى اللوحة المعلقة التي تسجل رقما بعد رقم ، وتتمنى لو يحدث أن يسرع الموظف في عمله ، وأن يحل شخص ٱخر يستفيد من الخدمة المقدمة له ، ويحل بعدها خلاصك ، وكي لا تنتابك حالة هيستيريا، وكي لا تتعرض للقلق والاحباط عليك أن تكون متقنا لمراوغة الذات التي يكفيها مخزونها منه ، والذي تراكم بفعل قساوةواقع يصر على أن يؤلمك أشد إيلام .
لكنك تقاوم ، لتردد بينك وبين نفسك :
ومع ذلك فالإدارة المغربية عرفت تحسنا كبيرا عنما كان يجري في السابق ..
إلا أنك ستعيد النظر في يقينك هذا حينما تنتقل إلى إدارة أخرى، وتلاحظ أن الموظفين يغادرون الواحد تلو الآخر مكاتبهم/ن ، طلبا لإشباع الضرورات اليومية التي تشدهم إليها أكثر من الواجب، وتجعلهم /ن يأخدون وقتهم الكااافي لذلك، فتنتظر أنت ، تعد الدقائق ، وتلوي عنقك أماما وخلفا، تدير أصابعك ، تعيد ترتيب حافظة أوراقك ، تقوم ، لتجلس، لتسأل عن الموظف الغارق في مأدبته ، تتضجر ، فتعود لتهدئ من روعك ..
هاهو قد قدم إلى محل عمله ، يسير إلى حيث مكتبه ، يباغث بأسئلة المواطنين، يلعن الموظفة التي كان عليها ألا توجههم /ن إليه ، لأن ذلك لا يدخل في إختصاصاته ، ومع ذلك ، أبان عن شهامة مقدما الخدمة المطلوبة ، وهو يخبر الشابين أن عليهما أن يطالبا بحقيهما في إدارة أخرى ، هي المعنية الأولى بهذه الطلبات .
لم أكن محظوظة بالمرة، لأنه كان علي الانتقال إلى إدارة ثالثة ، وهي ضالتي ، لكنني لم أتوفق في إيجاد السيدة الموظفة ، لأنها غادرت مكانها ، بسبب حدوث عطب تقني لم يسمح بإجراء بعض العمليات .
وأنا في هذا الخضم ، حدث أمر أسعدني بحجم الإنسانية التي احتوته ، لكنه أغاضني، وقد تولد عن إهمال وسوء تقدير خلف وضعية إدارية ملتبسة ، جعلت المواطن المسكين الذي بدت عليه مظاهر البؤس من خلال مظهره الخارجي ، وكذا الجهل وهو من لم يستوعب ما يلزم القيام به في هذه الوضعية .
ليعلن جهارا أنه لم يتناول لا وجبة فطور لا وجبة غداء ، هو الذي لف شوارع الرباط باحثا عن هذه المؤسسة التي لم تنصفه وتحمي حقوقه كمواطن .
تقدم الموظف إليه ، باسطا أمامه، ما عليه فعله ، إذ كان يجب عليه أن يلتحق بإدارة أخرى توجد في حي الرياض ،
استفسر المواطن عن مكانها ، والسبيل إليها
ـ الموظف : هل تمتلك ثمن ركوب سيارة الأجرة ؟
سحب من جيبه نقودا ، شجعته على كرمه ، حذوت حذوه، ونحن نشيع الرجل إلى مشوار إدارة أخرى ، ودهاليزها الموجعة …