باعت الأم رؤوس أغنامها وقلادتها الفضية وكمية زيت زيتون مخزنة، (طاحت وناضت) كما يقول العامة، وجمعت قدرا من المال يكفي لتأمين هجرة ابنها السرية نحو بلاد ” الكفار”.
نجحت المحاولة ووضع قدميه على بر جنة الخلد أوربا عبر بوابتها اسبانيا. ولأنه قاصر نقل لمأوى القاصرين بعد أن ألقي عليه القبض، هناك اعتني به، وهو ما يستشف من التسجيلات الصوتية لمكالماته عبر خدمة الواتساب مع أصدقائ
- واراه هاد الناس واخا هوما كفار راه مهليين فينا، حتا من الزيزوار تايعطوه لينا، واكلين شاربين، مدوشين لابسين مصبطين، …وكايقريونا، ماخاصنا حتا خير، سبحان الله أودي ألجيلالي ما خاصهوم غير ينطقوا الشهادتين، أما راه مسلمين ؟؟
ولأنه كانت لا تفصله إلا شهور قليلة عن إتمام الثمانية عشرة سنة، سرعان ما سمح له بالبحث عن عمل، سلم له القضاء ورقة للتحرك بحرية والقدرة على إيجاد عمل.
بتدخل من أبناء الدوار لدى رب ضيعة لتربية الخنازير سيتم تشغيله. كانت مهمته، إلى جانب آخرين، الاعتناء بالقطيع وإطعامه وسقيه وتنظيف الحظائر، ونظرا لكونه كان متعودا في الدوار على اغتصاب الحيوانات من حمير وكلاب ودجاج، كان كلما سنحت له الفرصة يختلي بإحدى إناث الخنازير لإفراغ مكبوتاته.
لم يكن رب العمل غافلا عما يجري، بل كان يتتبع كل صغيرة عبر كاميرات مثبتة في كل أرجاء الضيعة، فكر مليا في الموضوع فقرر أن يدعو عماله لوجبة عشاء ذات سبت.
حضر الجميع وحاموا حول المائدة، شرع الجميع في الأكل، وكان صاحبنا ممن لم يمدوا أيديهم إلى أطباق اللحم، دعاه رب العمل للأكل من اللحم فهو لذيذ، إلا أنه رد بكونه لحم خنزير والخنزير حرام أكله. أجابه برد صاعق مفاده فضحه أمام الجميع بالقول: - مادام أكله حرام فنكاحه أيضا حرام، أم أن لك رأيا آخر
أخبر الجميع بكونه يتوفر على تسجيلات بالصوت والصورة له وهو يغتصب الخنزيرات، وأنه يفضل أن يترك العمل وينصرف لحال سبيله عوض تقديمه للعدالة.
هكذا نحن، وصاحبنا صورة منا، نعاني انفصاما أزليا ومرضا عضالا لا شفاء له، نظن أننا الحق والصواب وغيرنا الخطأ والضلال، نظن أننا من يمتلك الحقيقة، وأن الكون كله ما وجد إلا لخدمتنا نحن خير أمة أخرجت للناس، ننصب أنفسنا جميعا ناطقين رسميين باسم الدين منافحين عنه، ننهض بمهام شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نمارس قضاء الشارع ضد كل من بدا أنه لا يشبهنا، لا ننتبه إلى كون الدين لا ينعكس أولا على أي من سلوكاتنا، وأننا نعاني بؤسا فكريا غير مسبوق، وفقرا معرفيا وأخلاقيا وقيميا فظيعا، ومرضا عضالا اسمه الانفصام لن ينفع معه إلا تغيير نمط تفكير الأفراد، لبنات المجتمعات الراقية.
فنحن متدينون، ظاهريا، حتى النخاع، تمتلئ مساجدنا عن آخرها، وتتجاوز حدودها كثيرا خلال المناسبات الدينية، نتسابق يوم الجمعة حاملين سجادات الصلاة نحو الصفوف الأمامية، ولكن للأسف مجتمعاتنا مثال لتردي الأخلاق والقيم، تمتلئ شوارعنا بكل مظاهر الانهيار القيمي، فكلنا نكذب، ننافق، نسرق، نأكل أموال الناس بالباطل، كلنا يقول أنا ومن بعدي الطوفان، مصلحتي فوق كل اعتبار، لأملأ خزائني وأرصدتي، أيا كانت الوسيلة فالغاية تبرر الوسيلة، ولتذهب البلاد إلى الجحيم، نتحرش بالقاصر وبزوجة الصديق والجار، بل بابنة الصديق في حالات خطيرة؟؟
يسير الجار على أطراف أصابعه لرمي القمامة قبالة منزل جاره، يفتح الزبون كناشا للكريدي لدى البقال وعندما يمتلئ اقتراضا يرفض الأداء، نخرب الملك العام، …بل أننا نرغب جميعا في الجلوس في بيوتنا وتقاضي أجورنا…
تعددت أعراض مرضنا، وعندما نيأس من حالنا نبحث عن الوصول إلى الضفة الأخرى حيث الشفاء التام، وحالما نصل وتستقر أحوالنا، ندعوهم ليصبحوا مثلنا.
إنه الانفصام في أبهى تجلياته
ملاحظة: واقعة الاعتداء جنسيا على إناث الخنازير صحيحة وحقيقية وليس من وحي الخيال