أن أكون أمازيغيّا وأنتسب للعرب بالشّعر واللغة، هذا اختيار شخصي عندما وجدتُ ضالتي التعبيرية في العربيّة مثلما وجد آخرون من الشّعراء وكتّاب العالم ضالتهم في الكتابة بلغاتٍ أخرى غير لغتهم الأم، قدري أنّني موزع بين الأمازيغية التي أتكلمها ودرّسها لتلاميذ أقسام الابتدائي طوال سنوات، وبين العربيّة التي أكتب بها باعتبارها ملاذاً لغويا.
أومن بهذا التفاعل المذهل بين اللغات، وفي حالتي بين العربية التي فتحت أمامي آفاقًا رحبة للتعبير من خلال الترادف والتضاد والتنوّع الدلالي، وبين الأمازيغية التي تُشكل رافدًا أساسيا لقصيدتي من خلال الشعر الشفوي الأمازيغي والحكايات الشعبيّة. إنني واعٍ بأفضال الأمازيغية على قصيدتي بخصوص الصورة الشعرية والتشبيهات والاستعارات، بل إنّ إيقاعًا داخليا تسرّب إلى نصوصي الشعرية من خلال الأمازيغيّة. وما ذنبي إن كانت مخيلتي أمازيغية صرفة وكانت العربيّة وعاءً لهذه المخيّلة؟
شخصيّا، أعتبر الأمازيغية أمّي التي لم أهجرها إلا للضرورة الشعرية والسردية، وأعتبر العربيّة مرضعتي التي استأنستُ بروائحها الجميلة باكرًا حدّ أن صارت مشاعري موزّعة بالتساوي بين الأم والمرضعة، ولا أريد بعد كل هذه السنوات أن أتحوّل إلى جرافة البلدية فأقتلع أمي الشجرة بهذه السهولة، ولا أن أكون جاحدًا فأتصرّف كأيّ جلف مع من احتضنت عثراتي الأولى وصبرت عليّ حتّى استويتُ وتخلصتُ من أحجارٍ كانت في فمي أو هكذا أشعر.
حقًا، إنّ اللغة العربيّة ثريّة بهذا التراث الشعري الذي لا يخلو من صعوبة في إيجاد مساربَ صحيحة لفهمه، وبهذا التنوع السردي الذي يمتد إلى القرن الأول الهجري والذي لا يخلو هو الآخر من التنوع التركيبي والصرفي فضلاً عن فخاخ التقديم والتأخير، وعلى هذا الأساس كانت علاقتي بالعربية متوترة في البداية من خلال تمارين قاسية في التركيب وحيرة طويلة أمام الكلمات قبل اختيار المناسب منها، إنها القسوة الأولى التي لا بدّ منها كي نتعلم مما نكتب ومما يكتبه الآخرون.
ومهمّ جدّا أن نشير إلى أن الذين أخلصوا للعربيّة وأبدعوا فيها هم من أصل غير عربي، وليس بشار بن برد أولهم ولا أبو نوّاس آخرهم. لكنّ تاريخ الأدب يتذكّر هؤلاء بقصائدهم وأعمالهم وليس بأصلهم.