شكرا لكِ جنوب أفريقيا قلعة الأحرار ضد الأبارتايد ،
شكرا لأبناء نيلسون مانديلا جائزة نوبل للسلام قبل ثلاثين سنة وصديق فلسطين والذي اعلن مقولته الشهيرة ” أن حريتنا تبقى ناقصة بدون نيل الفلسطينيين لحريتهم.”
وشكرا لحفدة ديزموند توتو جائزة نوبل للسلام قبل أربعين سنة ورئيس لجنة الحقيقة والمصالحة التي اسست للتحقيق في الجرائم التي ارتكبت إبان حكم الفصل العنصري ببلاده والذي قال قبل وفاته بان سياسة اسرائيل لا تضاهيها إلا سياسة التمييز العنصري التي كانت سائدة في بلاده ضد السود
كيف لا تنحي البشرية لدولة الأحرار جنوب افريقيا، التي انتصرت للشعب الفلسطيني بعيدا عن كل الحسابات والمخاوف والمصالح ، وفرضت مثول كيان الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية والذي استقوى على المجتمع الدولى وعلى غزة التي لم يبق لاهلها سوى المقاومة والموت ، والذي فرض إرهابه بعتاده وجيشه ومخابراته و وحشيته وبجرائمه ضد فلسطين والفلسطينيين وضد غزة والغزاويين ولبنان واللبنانيين، وضد كرامة شعوب العالم التي اهتزت آخر جرائمه منذ اكتوبر والى اليوم .
طوبا لجنوب إفريقيا التي أعلنت غضبها جهرا وبمجرد إطلاق دولة العدوان لحربها وإشعال محرقتها في أكتوبر الماضي، والتي اتهمت الكيان الصهيونى بارتكاب جرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية في غزة، وتقدمت سابقا بشكاية امام المحكمة الجنائية الدولية بلاهاي، وطلبت رجوع كل دبلوماسييها من دولة الاحتلال وسحبت سفيرها من تل ابيب وتلا ذلك تصويت برلمان جنوب افريقيا قطع العلاقات مع الكيان وإغلاق سفارتها.
كل العالم يعرف وبيقين، أن الكيان الصهيوني لم يعترف طوال تاريخة بالعشرات من قرارات مجلس الامن المتعلقة بقضايا مختلفة مرتبطة بالملف الفلسطيني، وبالاساس بقضية القدس وبتهويده وتغيير معالمه وإحراق مسجده الأقصى وباقامة المستوطنات وبوقف اختلاقها وبنائها ووقف ترحيل الفلسطينيين، وغيرها ذلك من القرارات الأخرى، ولم يابه الكيان المحتل أبدا بالعشرات من قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة بخصوص فلسطين ومنها ما يتعلق بخرقه حقوق الإنسان والقتل وتدمير معالم الهوية الحضارية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وبهدم حائط الفصل العنصري، وغيرها من القرارات
لقد نابت جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية عن كل الفلسطينيين وعن كل ضحايا جرائم الكيان الصهيوني بغزة، ونابت عن البشرية في كل بقاع العالم التي خرجت بالملايين سخطا ضد الكيان رافضة العدوان والجرائم التي ارتكبها المجرمون وشركاءهم ومن يدعمونه، فأيقظت مبادرتها ضمير الإنسانية ووضعت حرب الإبادة ضد غزة امام منصة القضاء وهي تعرف بان اللجوء للقضاء سلاح قاتل للظالمين المستبدين أمثال جنرالات القتل الصهاينة.
نابت جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية عن الأشقاء الاحباء أعضاء الجامعة العربية والإسلامية والمغاربية والخليجية وعن كل من يُسَمى عربي ومسلم وأمازيغي ومسيحي الذين كساهم الخجل امام جرائم الاحتلال، نابت جنوب إفريقيا امام المحكمة الدولية عن كل من رفع راية فلسطين في كل العواصم، وعن كل من تظاهر من أجل فلسطين في الساحات والميادين، ونابت عن كل أسير من أسرى سجون الاحتلال، ونابت عن كل من غنى للقدس ولمساجدها وكنائسها، ونابت في النهاية عن كل الشهداء والجرحى والمفقودين.
كانت شكاية دولة جنوب أفريقيا إعلانا مدويا يقول لنا وللجميع ان بافريقيا حَمَلَةُ ضمائر وذكاء سياسي وقانوني ولها مدافعات ومدافعين عن حقوق الإنسان يبحثون لحلول لخلاص الإنسانية ولها كفاءات أكثر من عشرات الدول الغربية التي لا تحمل هما إلا لوسائل نهب ثروات القارة السمراء الطبيعية والبشرية وسحق شعوبها بديون أبناكِها وبأسلحة شركاتها التي تفجر الحروب المحلية والاثنية والانقلابات والسباق نحو السلطة بالنار والحديد .
عرفت جنوب إفريقيا متى توجه رسالتها للعالم وعرفت كيف تتهم الغرب والعرب بالصمت على عدوان الكيان الصهيونى على غزة، واختارت كيف تجرم عدوان الكيان واختارت لذلك محكمة العالم وقضاة العالم وإِعلام العالم ، وعرفت كيف تلزم الكيان الوقوف في قفص الاتهام والانحناء من برج عجرفته أمام قضاء المحكمة، و عرفت كيف تفضح أكاذيبه وكيف تجرده أمام القضاء من بهتانه ومن سفسطة جنرالاته وتفصح أكاذيبهم وإنكارهم أمام كل وسائل الاثبات المادية التي توثق وبتفصيل للجرائم ولعمليات القتل المنهجي ضد الغزاويين والتي ارتكبها الكيان أمام المحكمة.
عرفت جنوب إفريقيا كيف تقف أمام العدالة وكيف تقنع السبعة عشر قاضيا بقوة ملفها، وسلامة دفوعها، بذكاء وكفاءة فريق دفاعها من المحامين، وفي النهاية عرفت كيف ترافع من أجل الاجراءات الاولية والمؤقتة وفي مقدمتها وقف العدوان ووقف قتل أعضاء الجماعات والتي صوتت لها غالبية مكونات المحكمة.
بالطبع انتصار قانوني مسطري أولي على الكيان القاتل لم يكن يتوقعه، وهو انتصار يطرح أمام العالم إشكاليات سياسية وتحديات جيواستراتيجية كبيرة تقف بثقلها من أجل تنفيذ الاجراءات الأولية المقررة من قبل المحكمة ضد الكيان المجرم لفائدة الشعب الفلسطيني، كما يبقى التساؤل ملحا وهو كيف يمكن التعامل مع هذا الحدث الفريد وما هي المواقف التي يتعين اتخاذها من قبل الشعوب ومن قبل الدول والحكومات المناصرين للشعب الفلسطيني داخل وخارج المنصات الأممية الدولية ومنها مجلس حقوق الإنسان، وكيف سيكون رد فعل الكيان الصهيونى الذي اعتاد تحدي واختاره للتعامل مع الشرعية الدولية.
وختاما يبقى السؤال كيف سيكون تفاعل المحكمة الجنائية الدولية من مقتضيات القرار الصادر من محكمة العدل الدولية، بعد أن توصل المدعي العام بشكايات ضد الكيان المجرم، ودون شك سيرتبط الجواب بما سيتم معالجته في موضوعها وستكشف عنه التحقيقات الجدية التي سيقودها المدعي العام للمحكمة مسلحا بالنزاهة.
هذا ما ينتظره كل أحرار العالم.