نابت دولة جنوب إفريقيا مشكورة عن العالم الحر في رفع شكوى لمحكمة العدل الدولية ضد الجرائم الوحشية وحرب الإبادة الهمجية التي يشنها الاحتلال ومَن وراءه منذ قرابة أربعة أشهر على الشعب الفلسطيني، وفي استصدار حكم اعتبرَه المحلّلون والمراقبون تاريخيًّا وإن لم يبلغ مستوى ما كنا نأمله وننتظره. لكنه في جميع الأحوال كان مبادرة شُجاعة تركت أثرَها الإيجابي في الرأي العالمي، وحرَّكت السواكن، وحشَدت الاهتمام الواسع، وأحيَت القضية ووضعتها أمام ضمير العدالة الإنسانية لتسأله عن موقفه من مشروعية استمرار وجود هذا العدوان الهمجي المتسلِّط على شعب أعزل بأكمله منذ خمسة وسبعين عامًا، ومشروعية الطغيان العالمي الذي يحميه ويسانده ويقوّيه بالمال والسلاح والعتاد والمواقف السياسية.
كانت خطوة رمزية قامت بها دولة من العالم الثالث عانت من الاضطهاد العنصري والاحتلال الأوروبي في أبشع صوره، وهي على رمزيتها أوجَعت دولة الاحتلال وأنصارها، وتركت في نفوسنا شعورًا إيجابيًا ومُعبِّرًا. لكن السؤال المرّ الذي يظل غصةً في حلوقنا فلا نستطيع ابتلاعه ولا هضمه، هو: هل العالم العربي بخريطته الممتدة من الخليج إلى المحيط، والعالم الإسلامي الممتد في عمق أكثر من سبع وخمسين دولة، قد بلغا من العجز والضعف والهوان بحيث لا يستطيع واحد منهما أو كلاهما اتخاذ ولو موقفٍ رمزي شبيهٍ بموقف جنوب إفريقيا، بما له من وقع وتأثير دون أن يكلفهما شيئًا ذا بال؟
في كل يوم يمر من أيام صمتنا على جرائم الاحتلال، نكتشف حقيقة أننا جميعًا أقل جرأة وشجاعة من هذه الدولة التي نابت عنا جميعا، وأكثر جبنًا وخذلانًا وضعفًا واستسلامًا مما نتصور. فلنخجل من أنفسنا إلى أن يبعث الله فينا من يغسل عارَ صمتنا وتواطُئِنا وينقذنا من شقاء العذاب الذي تعانيه ضمائرُنا.