بدأت الانتخابات الوطنية في الهند في 19 أبريل 2024 ، ومن المنتظر أن تنتهي في آخر مايو 2024. على أن تعلن النتائج في آخر الشهر وتعرف بالتالي معالم الحكومة الهندية المقبلة. ويشارك في هذه الانتخابات عدد هائل من الأحزاب الوطنية والأحزاب الإقليمية. وستجرى على مراحل في الولايات الهندية وعددها 28 ولاية، إضافة إلى المناطق الاتحادية السبع، لكل ولاية حكومتها المحلية وكبير وزرائها وبرلمانها المحلي. وحاكم يعينه رئيس الجمهورية، أما المناطق الاتحادية فتشرف عليها الحكومة المركزية في دلهي. والأحزاب المشاركة في انتخابات البرلمان المركزي الوطني، تسعى إلى الفوز بغالبية أعضاء البرلمان وعددهم 543 عضوا وتعين رئيسة الجمهورية 10 أعضاء من الفعاليات الاجتماعية ضمنهم اثنان يمثلان الجالية الإنجليزية التي ما تزال تستوطن الهند بعد استقلالها عن انجلترا في 15 غشت 1947. وكان استقلال الهند قد واكبه مأساة انفصال باكستان الغربية والشرقية. وما ترتب عنها من حروب طائفية أدت إلى وفاة وإصابة أكثر من مليون شخص، غالبيتهم من المسلمين الذين انتقلوا من مناطق الهند الحالية نحو باكستان، إلا أن جزءا هاما من المسلمين ظل في الهند ويتجاوز عدد المسلمين حاليا في الهند 300 مليون نسمة من مليار وثلاثة مائة مليون نسمة هو عدد مواطني الهند. حسب التقديرات شبه المؤكدة في مساحة 263 . 287 . 3 كلم2.
وعدد المسجلين في اللوائح الانتخابية حوالي 900 مليون نسمة نصفهم يقل عمره عن 30 سنة، وتجرى الانتخابات وسط لامبالاة جماهير واسعة من الشعب الهندي. إذ من المنتظر أن تكون المشاركة أقل من المأمول، وهو ما قد يتيح لحزب جاناتا الفوز بالانتخابات بزعامة ناريندرا مودي، وكان كبير وزراء ولاية كوجرات وقد لعب دورا مأساويا في 2002 ضد المسلمين بالولاية المذكورة وصدرت عدة إدانات في حقه من طرف الاتحاد الأوروبي وواشنطن.
وقد رفضت السفارة الأمريكية بدلهي منحه تأشيرة الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ ذلك الحين. بل ألغيت تأشيرته الأمريكية وفقا للمادة 212 من قانون الجنسية والهجرة الأمريكي الذي ينص على إلغاء ومنع التأشيرة ودخول الولايات المتحدة بالنسبة لكل من ارتكب مباشرة انتهاكات للحرية الدينية. إلا أن الأمور تغيرت كون واشنطن تعتبر ناريندار مودي مساعدا لها في العداء للصين والسياسة مصالح.
وتلعب السفارة الأمريكية في دلهي تاريخيا وعلنيا في الهند دورا محوريا فقد ساعدت مورار جي ديساي رئيس وزراء الهند في الفترة 1976- 1979 بأموال طائلة لهزيمة أنديرا غاندي (1917- 1984) التي كانت لها مواقف اشتراكية وجهتها إلى الارتباط بمعاهدة مع الاتحاد السوڨياتي، وزعامة دول عدم الانحياز ومناهضة السياسة الأمريكية في العالم. و السيدة أنديرا غاندي هي ابنة جواهر لال نهرو 1889- 1964 رئيس وزراء الهند 1947-1964. وقد تولت رئاسة الوزراء وهو المنصب الفعلي للسلطة في الهند مرتيـــــــن ( 1976-1966 – 1979 -1984 ) حتى اغتيالها في أكتوبر 1984 إثر الصراع الذي عرفته ولاية البنجاب الهندية موطن السيخ {= المريدين} وهم طائفة متميزة حاولت المزج بين الإسلام والهندوسية. وقد خلفها في المنصب ورئاسة حزب المؤتمر ابنها راجيف غاندي الذي اغتيل في 1991 إثر الحرب الأهلية في سريلانكا، التي كان عنصرها الأساس التاميل ذوو الأصل الهندي، الذين قادوا محاولة انفصال ضد حكومة كولمبو وكانوا ينتظرون مساعدة راجيف غاندي.
وبعد اغتيال راجيف غاندي تولت أرملته السيدة سونيا غاندي رئاسة حزب المؤتمر الحزب القائد في الهند الذي تأسس في 1885 وخاض معارك إثبات الهوية في مواجهة الإنجليز، ومعركة الاستقلال بقيادة المهاتما غاندي ( 1869-1948 ) الذي اغتيل أيضا في إطار الصراع بين الهندوس والمسلمين. ولولا كون السيدة سونيا غاندي من أصل إيطالي لكانت تولت رئاسة الوزراء. لكنها ومنذ انتخابات 2004 التي فاز بها حزب المؤتمر، كانت هي المسؤولة الأساسية عن السياسة في الهند، بفعل منصبها كرئيسة للحزب. وقد تولى وزير المالية الأسبق مانهومان سينغ رئاسة الوزراء. وكان مسؤولا عن الملف الاقتصادي. عرفت الهند خلال السنوات الماضية نهضة اقتصادية شاملة إذ وصل معدل النمو 8 % وازدهرت الصناعة الثقيلة والصناعة المعلوماتية. وتم القضاء على المجاعة بل صارت الهند مصدرة للحوم، و الأرز.
والهند دولة نووية منذ 1974 وتلعب دورا هاما في السياسة العالمية. وهي إحدى أصدقاء واشنطن لمواجهة الصين في مقبل الأيام. وقد أبرمت معها واشنطن معاهدة 2008 لتأهيل برنامج دلهي النووي المدني وكلفت بذلك اليابان دون مساس بالبرنامج العسكري مما يدل على أن السياسة الأمريكية تكيل بمكيالين وتلعب فيها المصلحة لا المبادئ الدور الأساس حتى في البرامج النووية. وقد عرفت الهند حملة دعائية ضخمة ضد حزب المؤتمر واستغلال بعض مظاهر الفساد لدى مسؤولي حزب المؤتمر، وهبط معدل النمو إلى 6 % مما أثر على سمعة حزب المؤتمر -الحزب القائد- كما أطلق عليه الفقيه الدستوري الفرنسي أندري هوريو.
وقد حاول حــزب جــانــاتا {= الشعب } استغلال وضع حزب المؤتمر المتأزم لإقناع الشعب الهندي بنسيان طائفية الحزب في مواجهة الأقليات الإسلامية والمسيحية و السيخية، ومنذ انتخابات 2014 وحزب جاناتا يفوز بالانتخابات لاستغلاله الحملة الدعائية الهندوسية التي يساعده فيها المجلس الهندوسي العالمي وأعداء المسلمين في الهند والعقائد الأخرى .
وترتكز دعاية حزب جاناتا على صور زعيمه الجديد: مودي وزهرة اللوتس. أما حزب المؤتمر والذي يقود الانتخابات والمرشح لمنصب رئاسة الوزراء ” راهول غاندي” – 53 سنة – نجل راجيف و سونيا غاندي، وقد تركزت دعايته الانتخابية على صور معانقته وشقيقته بريانكا لأفراد وأطياف المجتمع الهندي من مسلمين وهندوس وسيخ ومسيحيين، وذلك في إشارة ذكية لما يمثله هذا الحزب الذي كان وراء استقلال الهند ووضع دستورها في 30 يناير 1950 وإعلان العلمانية، والديمقراطية البرلمانية، والفدرالية.
وقد أعلنت الهند بواسطة حزب المؤتمر، منذ ما قبل الاستقلال، مبدأ المبادرة الاقتصادية ورغم سيطرة الشيوعيين على السلطة في الصين المجاورة في 1949، فإن الهند اختارت التوجه الليبرالي مع مبادرات اشتراكية قادتها السيدة أنديرا غاندي. و دخلت الهند في حروب مع الصين. واستولت بكين على 35 ألف ميل من الأراضي الهندية في حرب 1962. فردت الهند بفتح أراضيها للدلاي لاما زعيم التيبيت الذي لازال مقيما في الهند. والشروع في البرنامج النووي. كانت الصين قد فجرت قنبلتها النووية في 1964، وفجرت الهند قنبلتها النووية في 1974. ثم انطلق البرنامج النووي الباكستاني. وفي 1998 وإثر اختبارات نووية هندية قامت إسلام أباد بتفجير قنبلتها النووية التي نعتت بالإسلامية. ويمتد الصراع في المنطقة إلى أفغانستان حيث قادت الهند حربا ضد الإسلاميين خشية التأثير على الأقلية الإسلامية الضخمة في الهند. ومن تأثيرات حرب أفغانستان الهجوم على البرلمان الهندي والهجوم على فندق تاج محل في بومباي من طرف جماعة باكستانية في 2008.
في هذا الإطار التاريخي والحزبي تجرى الانتخابات في الهند. وإذا كان حزبا المؤتمر وجاناتا المتنافسان الرئيسيان، فإن هناك أحزاب أخرى شيوعية واشتراكية وقومية قد تفوز بمقاعد مهمة، وقد تلعب دورا في أي تحالفات لتشكيل الحكومة المقبلة مثل حزب ” عام آدمى” { = الإنسان الشعبي}.
و لابأس من الحديث عن الأحزاب الشيوعية فالحزب الشيوعي الهندي الذي تأسس في 1920 عرف انشقاقا ضخما في 1966. بتأسيس الحزب الشيوعي الماركسي المستقل الذي حكم ولاية البنغال وعاصمتها كلكوتا منذ 1977، ولا يؤثر هذا على مبدأ المبادرة الاقتصادية فالأمر يتعلق بتسيير الولاية في إطار الدستور الصادر في 1950 .
وهناك جماعة ماوية مسلحة في شرق الهند تقود حربا أهلية صغيرة لكنها مضمخة بالدماء. اعتبرها رئيس الوزراء السابق ” مانهومان سينغ ” أخطر حتى من الجماعات المسلحة في كشمير. وهي التي أدت إلى 3 حروب بين باكستان والهند. ومن المنتظر أن يفوز الحزبان الشيوعيان ببعض المقاعد التي قد تؤدي إلى تحالف مع حزب المؤتمر الذي لا يتوقع فوزه بالانتخابات الحالية. إلا أن النخبة الهندية التي تتألف من حوالي 400 مليون نسمة تلعب الدور الأساس. في تماسك المجتمع الهندي، تشكل قوة هامة هي عمود المجتمع المدني. ذلك أن الهند تتميز بمجتمع مدني قوي. بعكس الصين التي تتميز بحكم مركزي. وهذه النخبة الهندية هي التي أسقطت حزب جاناتا في انتخابات 2004 بعد أن شكل بطائفيته تهديدا لتماسك المجتمع الهندي لكنه فاز في انتخابين بعد ذلك كون المرحلة الحالية ومع الدعم الأمريكي لِناريندار مودي لمواجهة الصين قد تعطي فرصة أخرى ثالثة لحزب جاناتا، وهو حزب شبه طائفي ، وهناك من ينعته بالفاشستي.
والانتخابات باعتبارها آلية من آليات الديمقراطية نجحت حتى الآن في تجنيب الهند الحروب الأهلية، والانقلابات الدستورية والعسكرية. إلا أنها باعتبارها الآلية الوحيدة لم تغير أوضاع الشعب الهندي، الذي لا تحتوي نصف منازله على مستوى البلد كله على مراحيض خاصة. ويعيش حوالي 600 مليون نسمة منه على دولار واحد في اليوم. ويعرف المجتمع الهندي، خاصة في المناطق القروية، ظاهرة الانتحار المتفشية بشكل عام نتيجة الديون، التي تكون عن طريق المرابين، أو نتيجة فشل المواسم الفلاحية مما يؤدي إلى كوارث اجتماعية. كما تعرف المدن الهندية ظاهرة النوم في الشوارع لمئات الآلاف من العائلات والأفراد نتيجة الهجرة من البادية للبحث عن فرص جديدة للحياة بالمدينة.
وإن الآليات الأساسية للمبدأ الديمقراطي باعتبار الديمقراطية هي الحق في التعليم والتطبيب والسكن والعيش الكريم، لازالت مفتقدة في الهند، رغم أن هذا البلد حقق خلال السبعين سنة الماضية، تقدما ضخما في كل مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
هامش مهم:
تعود علاقة المغرب بالهند في العصر الحديث إلى سنة 1957، عندما عين السلطان /الملك محمد الخامس طيب الله ثراه المرحوم أحمد بنعبود سفيرا بدلهي، وعينت الهند السيد غوردون سفيرا بالرباط. وتطورت علاقات المغرب بالهند منذ ذلك التاريخ، ووصلت إلى ربط المغرب بالهند باتفاق القرن كما وصفه الملك الراحل الحسن الثاني، إذ تعتبر الهند الشريك الثالث للمغرب بعد فرنسا واسبانيا للمغرب، خاصة في ميدان الفوسفاط ومشتقاته، كما أن المغرب والهند
أسسا شركة مقرها دلهي بمبلغ 260 مليون دولار فيما يتعلق بهذه المشتقات لكون الهند لها برنامج زراعي ضخم في حاجة إلى الأسمدة. وقد عرفت العلاقات بين البلدين أزمتين تتعلق باعتراف الهند بالانفصاليين في تندوف في 1986، لكنها تراجعت عن ذلك وجمدت هذا الاعتراف، أيضا فإن أزمة قد برزت تتعلق باستيراد الفوسفاط المغربي في 1991، وتُجُوزت كذلك نظرا لقوة الروابط بين الرباط ودلهي والمصلحة المشتركة لكلا البلدين.
*باحث