1 ـ المشين أن نعتبر كوارث الطبيعة انتقاما من بشر زاغوا عن الطريق ..
كل الناس أبرياء إزاء كوارث الطبيعة؛ لذلك هم كلهم شهداء بالمعنى التراجيدي، وليس بالمعنى الأخلاقي والديني والقانوني، أي بغض النظر عن كونهم صالحين أو طالحين. كونهم ضحايا لقدر فناء فجائي لم يمنحهم أية إمكانية للنجاة، وكون الطبيعة تتصرف وفق ما يقتضيه نظامها الخاص الذي هو خال تماما من أية فكرة عن الانتقام ومن أية فكرة أخلاقية أو دينية تبرر فعل الكارثة. وحده إنسان الضغينة، لا إنسان الحياة، يفكر في كوارث الطبيعة كما لو أنها كانت انتقاما من الإنسان. وهذا معناه أن المشين بالفعل ليس هو كوارث الطبيعة، أو القدر الأغشى أو الأعمى، لا لأنه أغشى أو أعمى بالنسبة للطبيعة، بل لأننا نراه كذلك، وإنما المشين هو أن نعتبر كوارث الطبيعة انتقاما من بشر زاغوا عن الطريق. لكن عن أي طريق؟ إنه بالأحرى ليس طريق الكينونة في أفق الحياة، وإنما هو طريق الضغينة الكامن في جوف كائنات تتاجر بالدين والأخلاق .
المجد لكل شهداء الكوارث في كل عالم منكوب بصيغة القدر.
2 ـ الإنسان يملك كل شيء إزاء الكوارث ..
إزاء كوارث الطبيعة، لا يملك الإنسان أي شيء، ويملك كل شيء في الآن نفسه؛ إنه لا يملك أي شيء، لأن قوة القدر غفلية، أو مبنية للمجهول، وبما أنها كذلك فهي عمياء ضارية عاتية، لذلك لا يمكن قط مقارنتها بقوة البشر، لأن هذه لا يمكنها احتواؤها، ولا تملك لها صدا ولا دفعا، وبالتالي فالحدث الجلل الذي توقعه هو الكارثة بعينها، من حيث أنها محايثة كلية لا تخضع لنسق غائي، ولأنها كذلك فهي كاووس خارج أي نسق أونظام، بالمنظور الإنساني.
ومع ذلك فإن الإنسان يملك كل شيء إزاء الكوارث، وما يملكه ليس سوى الروح الإنساني، أي أنه روح الانبعاث من جديد، من حيث هي منبع الاقتدار على استعادة إنسانية الإنسان، كمسئولية إزاء الآخر المنكوب، إزاء الغريب العاري في أقصى أرض الكارثة. لذلك لا تظهر الروح البشرية كأخوية مطلقة، وكمسئولية لامشروطة وبدون مقابل، في الحروب والعداوات البشرية، مثلما تظهر في كوارث الطبيعة، أي كإنسانية جامعة إزاء كوارث لا تعرف قط تمييزا سواء بين البشر أنفسهم، أو بين غير البشر.
كل التضامن مع الشعبين السوري الشقيق والشعب التركي، ومع كل ضحايا هذه الكوارث العاتية.
3 ـ ثمة عدم بدلا من الوجود ..
ماذا لو مارسنا نوعا من القلب على مبدأ العلة العظيم، كما يسميه هيدغر، أي على السؤال الميتافيزيقي اللايبنتزي: لماذا ثمة وجود بدلا من؟ وقلنا لماذا ثمة عدم بدلا من الوجود؟
إنه سؤال قد يبدو غريبا، أو من المحال، لأن الوجود كما يؤكد بارمنيدس يوجد، أما العدم فلا يوجد. وهذا بدهي طوطولوجيا، أي كونه من باب تحصيل حاصل الوجود الذي ينطوي على ذاته، ومن باب تحصيل العدم لا كمنطو على ذاته ، بل كعدم محض لا حض له من الوجود. غير أن الأمر ليس بدهيا من جهة الأنطولوجيا، أو الميتافيزيقا، لسبب بسيط كون العدم الذي نستفسر عنه يوجد، لكنه لا يوجد في وبذاته، بقدر ما هو يوجد، كعدم في الوجود، لا الوجود عينه، لأن الوجود ينطوي على العدم كنمط لكل موجود. إذن ثمة عدم بدلا من الوجود، لأنه لا يعبر عن كمال العدم، وإنما على لاتناهي الوجود من جهة الديمومة، وعن تناهي الموجود من جهة الزمان، ولولا العدم لما كان ثمة موجود ولا كينونة في أفق الزمان؛ ولما كان- في الآن ذاته- ثمة حياة وموت، ولا بقاء وفناء.
إشارة لا بد منها:
*كل التضامن مع ضحايا العدم( الأعمى الطبيعي، والوحشي البشري) في تركيا وسوريا وفي كل بقاع المعمور.
4 ـ أسوأ تبرير هو تبرير العجز ..
أسوأ تبرير هو تبرير العجز، ومعناه إذا كان العالم، كما يبدو لنا، وليس كما هو بالفعل، ليس بخير فنحن كذلك لسنا بخير. وتلكم مغالطة عظمى، لسبب بسيط كون العالم، بما هو عالم، يستحيل أن نختزله في ذات الغير كما لو كان في ذاتنا، ولا في ذاتنا كما لو كان في ذات الغير، على أنه ليس بخير على الإطلاق. هذا معناه أن العالم هو عالم اقتسام المقدرات التي هي معطى طبيعي، والإمكانيات التي هي معطى ذاتي. والحال أن المقدرات هي تنتسب للعالم وليس لنا، لذلك فهي لا ترتبط بحال موجود بعينه، لأنها هنا أوهناك مع هذا اوذاك، بحسب نظام الندرة والوفرة، أما الإمكانات فهي تنتسب لنا، ولهذا فلا يمكن النظر إليها كما لو أنها هي الإمكانية الوحيدة المتاحة لكل الذوات.
إذن أسوأ تبرير هو تبرير العجز، لماذا؟ لأنه تبرير للتهرب من الاقتدار على إعانة الغير الذي هو في أشد الحاجة لنا، من حيث نمتلك المقدرات التي للطبيعة، والإمكانيات التي يمكن أن نبذلها، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فهو اختباء ماكر وراء أزمات الغير، من أجل استغلال أسوأ ما يمر به الغير في بعض مناطق العالم، أي من أجل مصالح ذاتية، أو من أجل تبرير أوضاع سيئة، بدعوى أن العالم ليس بخير برمته، وأنه ليس بالإمكان فعل أي شيء بتاتا، لأن العالم كما يدعي ويصر على ذلك ليس بخير. وهذا معناه أن ثمة شيء أو أشياء سيئة في هذا العالم بقدر ما فيه من أشياء خيرة أيضا، لكن ما هو أسوأ من سوءات العالم كله، إنما يكمن في هذه
تلك الطبائع البشرية المخاتلة التي تتهرب عن المسؤولية بدعوى أن العالم برمته ليس بخير.