عبد الرحيم الضاقية
اغتنت الخزانة التاريخية المغربية والعالمية بصدور مؤلف «المنبوذون في معسكرات فيشي الصحراوية» عن مؤسسة المغرب ومحيطه المتوسطي لمؤلفيه د. عمربوم ونجيب بربار وقد نقله للغة العربية خالد بن الصغير .والكتاب عبارة عن رواية مصورة تنطلق أحداثها تاريخيا من نهايات الحرب العالمية الأولى في عشرينيات القرن الماضي من ألمانيا وتنتهي في مدينة الدار البيضاء على شواطئ المحيط الأطلسي بتاريخ 8 نونبر 1942 .وبين التاريخين وقعت أحداث كبيرة على المستوى الدولي لكن لا أحد التفت إلى ما يقع في المناطق التي سوف يرصدها الكتاب .فما بين المغرب والجزائر فتحت سلطات فيشي الخاضعة للنظام النازي حوالي 67 معسكرا للاعتقال والتأديب والعمل الشاق تحت يافطة شق خط الحديد الذي سيربط المتوسط بالنيجر في إطار أحلام استعمارية غير قابلة للتحقق .وقد ضمت هذه المعسكرات حوالي 10 آلاف من الافراد منهم يهود وجمهوريون إسبان ووطنيين مناهضين للاستعمار ومعارضي النازية . وقد اعتبره ادريس اليزمي في تقديمه تجربة فريدة من نوعها خاصة وأن الموضوع الذي اشتغل عليه عمر ونجيب هو الأول من نوعه في هذا الباب. لأن الوقائع المعروضة لا يعرفها إلا القليلون في المنطقة المغاربية بل وفي العالم بأسره.
وقد كُتب الكتاب بيدين الأولى تحمل قلم الباحث في التاريخ والأنثروبولوجيا، والثانية تحمل ريشة فنان آمن بالمشروع ومحمل بثقافة واسعة من خلال أصوله وتجربته. فنتج عن هذا اللقاء الفكري والجمالي نص ثري بقراءة جديدة لتاريخ الفترة المدروسة ورصد بارع للأرشيفات والمصادر الدفينة، ولوحات فنية معبرة تنبض بالحياة وتنطق بالمشاعر والأحاسيس. وقد برع المرحوم نجيب في نقل الحالة النفسية التي وجد عليها الشخوص عبر ملامحهم، ورسم مشاهد حقيقية أغنت سياقات النص التاريخي المفعم بالآلام والفواجع الإنسانية. ويمكن اعتبار هذا المؤلف فاتحة كتابة تاريخية مغايرة للتاريخ الوطني المركب عبر مجموعة من المؤشرات والقرائن من قبيل:
- الكتابة بالرسوم الناطقة والمعبرة عن ما وراء النص والرواية والكتابة الوثائقية العادية؛
- اختيار معالجة فترات تاريخية بعينها والتركيز على معطيات أغفلها التاريخ الرسمي التقليدي مثل تاريخ الأفكار والثقافة السائدة والصحافة وإحالات على شخصيات فكرية طبعت القرن العشرين بإسهاماتها في ميادين مختلفة، إلى جانب أناس بسطاء يغرقون في تفاصيل يومية عادية؛
- إلقاء الضوء على مسارات حياتية ذات دلالة في تاريخ المنطقة: اليهودي – الأمازيغي – اللاجئ – المعتقل – السنيغالي .. وكل واحد منهم يجر وراءه حمولة من الإحالات والدلالات وخلفية مركبة طمرها التاريخ الرسمي في ثنائية الاستعمار والحركة الوطنية الحضرية؛
- المراوحة الموفقة بين المحلي والوطني والكوني عبر ومضات قد لا يشعر بها القارئ لأنها مدمجة بشكل بارع في النص أو الصورة أو هما معا؛
- التركيز على ما يسميه العروي «النظر» أي كتابة التاريخ برؤية رصينة عبر تمرير قيم إنسانية سامية من خلال الوقائع والأحداث والخطابات .. والتي تم بتها عبر الكتاب من خلال قنوات متعددة تدل على انسجام كبير بين عمر ونجيب.
يذكر أن الكتاب يقع في 117 صفحة من القطع الكبير صدر عن منشورات ملتقى الطرق بالدار البيضاء. والمؤلفين هما د. عمر بوم أستاذ كرسي موريس أمادو للدراسات السفاردية في شعبة الانتروبولوجيا واللغات وثقافات الشرق الأدنى والتاريخ بجامعة كاليفورنيا. ونجيب بربار فنان امريكي دو أصول جزائرية متخصص في الرسوم الناطقة.