غالبا ما يرتبط شهر رمضان عند البعض من الناس، بالخلود للنوم مدة أطول احيانا قد تصل إلى منتصف النهار ، أو أكثر، وطبعا لكل واحد منهم /ن أحواله ، وأسبابه ، وعاداته، إلى جانب أن هذا يدخل في محض الحرية الشخصية ، لكن ، في المقابل هناك من لا يمكنه ذلك ، لتجده يغادر فراشه في وقت مبكر ، وأحيانا في الساعات الأولى التي تلي ظهور ملامح الفجر .
طبعا ، ليس أمرا مستحبا ، لأن النوم قد يساعد على اختزال بعض ساعات الصوم ، وهذا يكون خارج إرادة من يعيش هذه الحالة لكن ، رغم أنه قد يبدو أنها حالة سلبية ، إلا أنها قد تمنح فرصة “امتلاك” فضاءات المدينة خصوصا في هذا الشهر الذي يعرف فيه الشارع هدوءا كبيرا ، خلال الفترة الصباحية الأولى لفترة غير قصيرة ، الشيء الذي نفتقده خلال أيام الافطار .
فالهدوء المستطاب ، وخلو الشوارع من المارة والسيارات، إلا قليلا منهما ، يخول لمن يمارس هواية المشي ، فرصة ذهبية للتجول في أرجاء المدينة ، وكل ما حوله صامت ، وهادئ.
أي سعادة هي تلك التي تقتحمك ، لا شيئ مزعج :
لا منبه سيارات ، لا أصوات من هنا ومن هناك ، لا فوضى ،لا اكتظاظ …
لا متوسلين يملؤون جنبات الطريق، ويشعرونك بدون توقف أنك قد قصرت في حقهم /ن ، مادمت لم تستطع أن تفك عنهم /ن جميعا أسر الفاقة والعوز ، وقد تجلد ذاتك احيانا ، لأنك لم تكن رحيما ومتعاطفا كما ينبغي ، ولن يخرجك من وطأة السياط التي تنهل بها على ذاتك ، سوى أن تتذكر بأن هذا لا يدخل في باب مسؤولياتك كمواطن ، بل هو شأن يخص الدولة ، لا الأفراد .
ويزداد قلقك وأنت تمر بمحاذاة متشردين تمتلئ بهم جنبات بعض الطرق ، أو الحدائق ، وهم يفترشون قطع ( الكارتون ) وبالقرب منهم بقايا ما تناولوه وقد تحول إلى أزبال ، تصبح بدورها مٱدب للكلاب الضالة .
مشاهد سوريالية تجعلك تفكر بدون توقف عن السبل الكفيلة للخروج من هذا الوضع اللانساني المقرف .
تستمر في “رحلتك الصباحية “وانت من منيت نفسك بالخلود الى ما تفتقده خلال أشهر السنة الأخرى :
صمت ، وهدوء ، ونظام …
لا متاجر تعرض سلعها المتدفقة فوق الأرصفة في احتلال مريب للملك العام ، حيث تضطر أن تسير رغما عنك في الطريق ، بدل الرصيف المستغل عشوائيا .
ولا المقاهي المصطفة كالفطر ، والمنبتة في كل مكان ، يحصد روادها بعيونهم /ن ، وألسنتهم حركات وسكنات المارين التعساء ، الذين واللواتي تتعقبهم /ن تلك العيون الفارغة من كل مغزى .
ولا أشباه مطاعم تنبعث منها روائح متعددة أصبحت معتادة لدى المارة ، كما شكلت مكونا ثابتا من مكونات هذا الشارع أو ذاك ، مع اتساخ ألارضية التي لا يتم الحرص على تنظيفها بعد انتهاء اليوم ، وحتى إن تم ذلك ، فلا يكون بالشكل المطلوب ، وكأن لفظ النظافة لم يكن قد استوعب جيدا من طرف من يحسب أنه قد قام بها فعلا .
قرف مستمر ، واشمئزاز مستمر ، وبحث مستمر عن بديل لكل هذا الذي يحدث .
قرف …قرف
هي صرخة في واد سحيق ، ورجاء لا يجد له منفدا للتحقق ، ليظل الفرد منا ، اقصد الذي يبحث عن بعض الكمال ، وليس كله ، يحاول أن يسرق من الزمن لحظات يبث فيها لنفسه في منولوج داخلي، ما قد يخفف عنه وطأة هذا العبث الذي يأبى أن يتوقف، والذي يحوله الى شخص يحن لزمن مضى ، في رفض تام لزمن حاضر أو مقبل .