
(كش بريس/التحرير) ـ أكد إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، في كلمة ألقاها نيابة عنه أحمد العاقد عضو المكتب السياسي للحزب، في الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين المنعقد يومه السبت، على أن الملتقى الوطني المنظم، “يأتي في سياق قرار حزبي يجعل من سنة 2025 سنة الثقافة بامتياز لما لاحظناه من انحسار في الفعل الثقافي وتغييب للأصوات الثقافية في لحظات مهمة من حياتنا السياسية والمجتمعية. فلم نستسغ، كفاعل حزبي تاريخي لا يتوانى في الترافع عن المسألة الثقافية وأولويتها، أن يتم تكويس نوع من الجمود الثقافي، أو لنقلها صراحة: تجميد مقصود للفعل الثقافي لغايات غير معلومة. والحال أننا، مع مرحلة التحول التنموي وما يقتضيه من تقوية للبناء الديمقراطي والمؤسساتي، في أمس الحاجة لتكون الثقافة قاطرة حقيقية لهذا التحول من خلال تغيير العقليات لمسايرة العصر والاستجابة لمتطلبات التقدم والانفتاح والحداثة”.

وقال لشكر، “إن ما هو مطروح علينا من وجهة نظري، وأعتقد أنكم جميعا تستشعرون المهمة الجسيمة للمثقفات والمثقفين في مجتمع اليوم، هو إنتاج الأفكار الملهمة التي من شأنها الدفع بقوة لترسيخ المزيد من الحريات والحقوق، والانتقال نحو أوضاع مجتمعية أكثر حرية وعدالة وتضامنا وإنسانية”. مستطردا أنه “لربما تصب هذه المهمة في اتجاه الخياران الدستوريان المتلازمان لبلادنا: الديمقراطي والتنموي، وهو ما جعلنا نختار كشعار لهذا الملتقى “الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي”. فبدون إشراك حقيقي للمثقفات والمثقفين في تطوير البناء الديمقراطي وتحقيق التنمية الشاملة، لن نستطيع رفع الرهانات المطروحة على بلادنا ونحن أمام تحديات كبرى ستشد أنظار العالم إلينا، وخاصة أثناء تنظيم كأس العالم سنة 2030″.
كما شدد على أنه “بدون المثقف أو بتغييب أدواره الطلائعية، يستحيل تحقيق أي تحديث أو تقدم، في البنيات وفي الذهنيات، لأن التجارب العالمية التاريخية في مختلف بقاع العالم أثبتت أن النهضة انبثقت فعليا من عمليات التنوير التي أطلقها المثقفون لتحرير مجتمعاتهم من قيود الاتباع والتعصب والرجعية”. متابعا:” تحتاج إرادة التقدم في بلادنا إلى الفعل الثقافي المستقل الذي لا يعني المفهوم السطحي لاستقلال الثقافة عن السياسة وما يفضي به ذلك إلى تبخيس السياسة، وبالتالي تبخيس المؤسسات، بل الاستقلالية التي ترادفها مفردات الرأي الحر، والتعبير النقدي، والضمير اليقظ. ففي لحظات تاريخية متوهجة، استطاع التناغم بين المثقف والفاعل السياسي من تحقيق مكاسب مهمة في المسار الديمقراطي لبلادنا، ولاحظنا في فترات أخرى كيف كان للهوة السحيقة بين المثقف والسياسة من إخلاء المساحة لفائدة القوى المحافظة”. وأبرز”لعل هذه التجربة التي عشناها، قبل الاستقلال وبعده، تؤكد أن الثقافة هي الرئة التي تتنفس بها السياسة، وأن السياسة هي القلب الذي تنبض به الثقافة. فلا ثقافة بدون سياسة، ولا سياسة بدون ثقافة”.
وأفاد “هما معا ضروريان لإسناد بعضهما البعض، المثقف الواعي المستقل والسياسي النزيه المسؤول، لكسب رهانات التقدم والحداثة. فهما معا القوة المجتمعية القادرة على تجسيد قيم الإنصاف والمساواة والتضامن والكرامة، قضاياهما ذات الأولوية الدفاع عن حقوق المرأة والعدالة الاجتماعية وحقوق القوات الشعبية”.

وأوضح ذات المسؤول الحزبي، “إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، منذ تأسيسه، شكل مثقفو حزب الاستقلال، إلى جانب أعضاء المقاومة وجيش التحرير والطبقة العاملة، أحد الأعمدة الأساسية في نشأة حزب يساري تقدمي، دافع دوما عن ضرورة إفراز قطب ثقافي منتصر للإبداع والفكر، قادر على ترجمة مبادئ الديمقراطية والحداثة والحرية عبر تفعيل المقتضيات الدستورية، واحترام التعددية والتنوع، وترسيخ حس المواطنة والانتماء الكوني. كنا وما زلنا حريصين على إرساء منظومة ثقافية شاملة كفيلة بتحصين الهوية والذات الوطنية وتقوية التفاعل الإيجابي مع الحضارات الإنسانية المختلفة، عبر خلق دينامية مجتمعية رافضة للتفكير المنغلق والعدمي ومنتصرة للفكر المبدع والنقدي”.
وأبرز متأسفا :”بعد أن حظينا بدستور جديد بمقتضيات متقدمة في المجالين السياسي والثقافي، عشنا طيلة عقدين من الزمن مدا محافظا بتوجهات شعبوية ونزعات نكوصية، عملت على نشر أفكار رجعية تناهض حرية الرأي والتعبير وقيم التعددية والتنوع والاختلاف الخلاق. هذا المد المحافظ وجد ضالته لدى الفاعل التكنوقراطي الذي يعتبر الثقافة مجالا غير مؤثر، وقطاعا استهلاكيا غير منتج، مما يفسر عدم عقلنة استثمار الاعتمادات المخصصة من أجل تدبير مالي ناجع، مع العجز عن تعبئة القطاع الخاص والجماعات الترابية المؤهلة من أجل المساهمة المادية والمالية في دعم المشاريع الثقافية وطنيا وجهويا. والأكثر من ذلك أنه تم اللجوء إلى تكريس نوع من الريع الثقافي بدعم مشاريع مدنية منتقاة على أسس غير شفافة، والمساهمة في إظهار نمط ثقافي محافظ يطغى عليه الطابع الأصولي، وتهيمن عليه خطابات ذات نزعة دعوية تستهدف أساسا الفئات الفقيرة، خاصة بالمدارات الحضرية الهامشية والمناطق القروية. كما أن الإطارات الوسيطة من قبيل اتحاد كتاب المغرب والإطارات المهنية التقدمية ذات التوجه الحداثي تتعرض بشكل مستمر لمؤامرات من أجل إنهاء الأدوار المنوطة بها تاريخيا اعتقادا من أصحابها بأن الفاعل التكنوقراطي قادر على تأطير وتطوير هذه الحقول الثقافية والمهنية”.

ودعا الحزب، وفق الكلمة ذاتها، “إلى خلق دينامية مجتمعية قوية قادرة على تعبئة الفاعلين الديمقراطيين ومكونات المجتمع المدني للاصطفاف مع مواقف المثقفين ولتوجسهم من أي ارتداد عن مكتسبات حرية التعبير والرأي والإبداع، ما دامت الحرية هي القيمة الأساس للإنسان”.
كما دعا “إلى إصلاح سياسي ومؤسساتي شامل للثقافة برؤية واضحة تمزج بين الديمقراطي والحداثي، وتحرص على السياسات العمومية القائمة على الحكامة التدبيرية الجيدة”. كما دعا ” إلى حوار وطني حول الثقافة يقوم بتحيين المعطيات المتعلقة بالشأن الثقافي على ضوء تداعيات الجائحة والتحولات الرقمية المتسارعة، وتنبثق عنه المحددات الكبرى للسياسة العمومية”.
وأورد لشكر في كلمته، أنه “من غير المعقول أن تنسحب الحكومة من فضاءات النقاش العمومي، وأن يظل رصيدنا الوطني متوقفا في ثلاث مناظرات حول الثقافة المغربية: الأولى سنة 1986 والثانية سنة 1992 من تنظيم وزارة الثقافة، والثالثة سنة 2015 من تنظيم اتحاد كتاب المغرب. من غير المعقول هذا الوضع الشاذ، وكأن العقم الثقافي مصيرنا”.
كما أكد لشكر على “معالجة الأعطاب المصطنعة والنرجسية من أجل تهيئ الظروف الملائمة لفتح هذا الحوار إعداد ميثاق وطني للثقافة بمشاركة مختلف الفاعلين الثقافيين والسياسيين والاقتصاديين والاجتماعيين لتعبئة الطاقات المختلفة حول التوجهات الثقافية الأساسية، والإسهام الجماعي لتحصين الهوية المغربية وتقوية حضورها وأثرها الإيجابي في الثقافة الإنسانية الشاملة”.

وأكد “إن الإصلاح الثقافي الذي ندعو إليه، والذي نستقيه من إنصاتنا لكن ولكم، لا يهم المجال الثقافي في جزئيته، بل يمتد ليشمل الإصلاح الثقافي في بعده الاقتصادي والميزانياتي، في البعد المرتبط بالمدرسة والجامعة، في البعد المرتبط بالسياحة، في البعد المرتبط بالإعلام والتسويق، وفي البعد المتصل بالدبلوماسية الموازية، وغيرها. فدور الثقافة لم يعد محصورا في تكريس القيم وغرس الأفكار، وإنما في إرساء شبكات مقاومة تسعى إلى بلورة أسئلة وإحداث شروخ في عالم ينحو نحو التنميط والتخشب وتكريس البلاهة، مما يساهم في إيقاف عنف الفكر الوثوقي ومناهضة كل أشكال الإرهاب المادي والرمزي”.
وأضاف “إن التعبيرات الثقافية عموما، لم تعد بمعزل عن التفاعلات الثقافية بين المجموعات الجغرافية، بفضل التطور السريع لوسائل تبادل المعلومات، فكان من نتائج ذلك أن ازدادت أهمية الدبلوماسية الثقافية في وقتنا الراهن، الذي برز فيه بشكل جلي دور الفن والثقافة والتراث المادي واللامادي في التقريب بين الدول والشعوب، بشكل جعل معه الثقافة آلية من آليات إرساء الروابط وخدمة مصالح الدول خارج حدودها الجغرافية”.
وأبرز لشكر ” لا تحتاج الثقافة إلى رأسمال يغذي نفسه على حساب الثقافة، بل لاستثمار ذي نزعة وطنية، يخلق صناعة ثقافية حقيقية بمضمون إنتاجي ذي قيمة مضافة يمكن من الإدماج الفعلي للثقافة والاقتصاد الثقافي في معادلة التنمية وإحداث مناصب الشغل”.
وشدد على أن “الوطنية الثقافية الصادقة تحتاج لمواطنة الرأسمال المادي الموجود في “الجيوب”، وتحتاج أيضا لمواطنة الرأسمال اللامادي الموجود على “أطراف الألسن”، أي اللغات والتعبيرات الثقافية المتعددة والمتنوعة كما كفلها الدستور. وهو ما يقتضي تعزيز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين: العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت ترسيخ مختلف الأبعاد المؤسساتية والعلمية والاقتصادية والمجالية في التدبير اللغوي تدبيرا معقلنا وعادلا ومنصفا، مع دعم الانفتاح على اللغات الأجنبية”.
وأوضح أن “المسألة الثقافية اللغوية تحتاج إلى تفعيل المقتضيات الدستورية، وأجرأة الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، وتقوية البعد الجهوي في معالجة الإشكاليات اللغوية من خلال بلورة مشاريع مشتركة مع الجهات للعناية باللغات والمحافظة على التعبيرات اللغوية المحلية”.
وقال :”إن المطالب الإصلاحية التي ندعو إليها تقابلها إجراءات حكومية ليبرالية محدودة وقاصرة عن استيعاب المعنى الثقافي، لكونها تستوعب فقط الاستفادة المادية”. وأورد أنه “نسائلها بمنطقها، كيف يمكن تبرير أداء الحساب الخصوصي للخزينة المسمى “الصندوق الوطني للعمل الثقافي” الذي لم تتجاوز نفقاته حوالي ثلث موارده في السنوات الأخيرة، بما يثبت ضعفا في نسبة الإنجاز؟”.

وسجل المسؤول الحزبي” على مستوى تنفيذ الميزانية الخاصة بالقطاع أن نسبة الإصدارات لا تتجاوز 43 %، فيما ميزانية الاستثمار لا تتجاوز 65 %، بالإضافة إلى التفاوت في تنفيذ ميزانية الاستثمار بين الجهات. فكيف ستتعامل الحكومة مع هذه الوضعية؟ وكيف ستعالج المؤشرات المتواضعة التي رصدها التقرير السنوي لنجاعة الأداء، والمتعلقة بضعف النتائج مقارنة مع التوقعات التي حددها قطاع الثقافة، في القيادة والحكامة تم تحقيق فقط 20 %، وفي برنامج الفنون تم تحقيق 55 %؟”.
وقال “إننا لا نفهم هذه المفارقة الصارخة بين توفر الموارد المالية التي لا تنفذ، وبين ما يعيشه العاملون في المجال من وضعية اجتماعية مأساوية، في أوساط الموسيقيين والكتاب والمسرحيين والممثلين والمخرجين والفنانين التشكيليين وغيرهم”. مؤكدا على “أن واقع الحال الثقافي يقتضي إصلاحا مؤسساتيا عميقا يستجيب لمتطلبات الحكامة الجيدة، ومن بينها: تسريع تفعيل المؤسسات الدستورية ذات الصلة بالشأن الثقافي، وإعادة النظر في الهندسة العامة للمؤسسات الثقافية وتجميعها في إطار أقطاب كبرى لدعم الصناعة الثقافية الوطنية، وإحداث مؤسسات جهوية مخصصة للارتقاء بالروافد الثقافية في إطار الرؤية الثقافية الوطنية بما يتيح التدبير العقلاني لتنوع الثقافات المحلية”.
