ـ يفعل ذلك، وهو يعلم جيدا أنه مسؤول قانونا عن عدم التبليغ بجريمة ـ
كنت أعتقد أن فضيحة شبكة اسكوبار الصحراء التي تورط فيها قياديون بارزون في البام ستدفع الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة ووزير العدل إلى أن يخجل قليلا من نفسه وأن يبادر إلى تقديم نقد ذاتي ولم لا الإستقالة من الحزب، الذي طوقته هذه الفضيحة وفضائح أخرى تتعلق بمتابعة بعض أعضائه بجرائم الفساد ونهب المال العام .
وكنت أعتقد أنه سيعمد إلى تجميد عضوية هؤلاء الأعضاء، الذين وجهت لهم تهم رسمية من طرف القضاء. وليس مجرد إشاعات وأقاويل المقاهي كما يحلو للسيد الوزير أن يردد دوما على مسامعنا ، تجميد عضويتهم على الأقل إحترازا وخوفا على صورة الحزب التي مرغت في الوحل إلى حين بت القضاء في التهم الموجهة إليهم كما تفعل الأحزاب التي تحترم نفسها وتحترم الرأي العام.
كما كنت أعتقد أن حجم الشبكات المتورطة في الفساد والرشوة والتي تم تفكيكها أمنيًا وقضائيا وإغتناء البعض بطرق مشبوهة وظهر جليا أن الفساد والمفسدين ولصوص المال العام يشكلون تهديدا حقيقيا للدولة والمجتمع ،كنت اعتقد ان كل ذلك سيدفع وزير العدل إلى الحزم في التصدي للفساد وذلك عبر تجريم الإثراء غير المشروع وتعبئة كل الفاعلين بما في ذلك التحالف الحكومي من أجل إخراج ترسانة قانونية عصرية منسجمة مع التشريعات الدولية لمكافحة الفساد والرشوة وتبديد واختلاس المال العام وتشديد العقوبات الحبسية بشأن ذلك والرفع من الغرامات ومصادرة ممتلكات المتورطين في هذه الجرائم المشينة ، لأنه تابع بنفسه كيف أن المتورطين في هذه القضايا تاجروا في كل شيء بما في ذلك بيع الرضع ملائكة الرحمان وبيع تجهيزات المستشفيات وغيرها وبدون أية حدود أو خوف من القانون والمؤسسات، لاشيء من ذلك حصل وصمم على أن يدير ظهره لهذه الممارسات الإجرامية والتخريبية والتي تهدد السلم والأمن الإجتماعيين لأنه في نظره لاتمثل أي شيء ولا تشكل أية خطورة على الدولة والمجتمع ،لأن الخطر الحقيقي والداهم هو الآتي من جمعيات حماية المال العام، ولذلك فإنه قرر أن يشمر على سواعده بحماس زائد لإقبارها وإراحة لصوص المال العام والمرتشين من ضجيجها ،غير عابئ بالدستور والقانون والمواثيق الدولية التي تجعل من المجتمع المدني شريكا أساسيا في الديمقراطية التشاركية وصنع وتقييم السياسات العمومية.
لكن للأسف رغم كل ماحصل فإن وزير العدل اختار أن يعاكس توجه الدولة المعلن عنه على أعلى مستوى فيما يتعلق بمواجهة الفساد والرشوة واستغل موقعه الوظيفي لترديد أسطوانته المشروخة والمكرورة حول شكايات جمعيات حماية المال العام والتي انزعج كثيرا من وجودها وانه لايعقل أن تستمر في تقديم الشكايات وتوظيف القضاء في صراعات سياسية وعاد ليدافع عن رفع عقوبة الوشاية الكاذبة إلى عشر سنوات سجنا !!أي أن الجنحة ستصبح جناية!! لترهيب نشطاء حماية المال العام وكافة المبلغين عن الفساد وتكميم الأفواه وإشاعة الخوف وهو بذلك يفرش سجادا أحمر للفساد والرشوة لينتعش ويحتفل بوجوده أمام الجميع دون أن يخشى المفسدون من أية ملاحقة أو مساءلة وليذهب ربط المسؤولية بالمحاسبة ومعها الدستور إلى المتحف.
إن وزير العدل لايزال مصمما على أن يشكل رجع الصدى لأصوات تستفيد من واقع الريع والفساد وتحول إلى محاميها في مواجهة الأصوات المنتقدة لواقع الفساد والريع والرشوة والذي لم يعد خافيا على أحد ،وهنا يحق للمرء أن يطرح السؤال التالي :لماذا يستغل وزير العدل موقعه لتبييض وجه الفساد ولصوص المال العام ويرفض أن يشكل محاميا للمجتمع المتضرر من نتائج الفساد والمضطر لتحمل تكلفته الباهضة مقابل إرضائه لحفنة من السماسرة وناهبي المال العام ومبيضي الأموال ؟.
إن المتتبع لتصريحات وزير العدل حول موضوع الشكايات المقدمة ضد بعض المفسدين وسارقي الأموال العمومية سيتساءل عن علاقة وزير العدل بالشكايات والتي تبقى اختصاصا حصريا للنيابة العامة والتي لم تعد تحت سلطته ،فلماذا يحشر أنفه في موضوع لم يعد مطلقا من صلاحياته ؟.
وزير العدل يتحدث عن توظيف البعض للشكايات من أجل ابتزاز المسؤولين ، يفعل ذلك وهو يعلم جيدا أنه مسؤول قانونا عن عدم التبليغ بجريمة والتي يعاقب عليها القانون الجنائي ، فلماذا يتستر عن المتورطين في جريمة مشينة وهي الإبتزاز ؟.
ونحن من موقعنا نطالبه بأن يقدم للقضاء مايتوفر عليه من معطيات حول هذا الإبتزاز لأننا ندين بشدة تحويل المجال الحقوقي إلى مجال للإرتزاق والإبتزاز. وهي أعمال تشكل فسادا يتوجب التصدي لها بكل حزم وصرامة مع متابعة من تورط في ذلك في حالة اعتقال وإصدار أحكام رادعة ضده لأننا ضد تلويث وإفساد العمل الحقوقي وجعله حرفة لمن لا حرفة له.