بمصادقة مجلس النواب على مشروع القانون المالي لسنة 2024 ، يوم الأربعاء الماضي (16 نونبر)، نكون قد دخلنا دورة جديدة من حكم الأيادي المرتعشة كما فرضته علينا الديموقراطية المغربية. والحقيقة أن لا أوهام لديّ بخصوص ما يُنتظر من هذه الحكومة فلقد أكدت، منذ أيامها الأولى، أنها بلا رهان أو مشروع مجتمعي، وبلا أساس أخلاقي لا فقط لأن رئيسها يزاوج بين السلطة والمال، ولأن بعض أعضائها لا يترددون في إهانة المغاربة قولا وعملا، ولكن كذلك لأننا خبرنا الرئيس حين كان وزير “الامتياز” داخل الحكومة السابقة التي اقترفت كل الآثام المكنة، بدءا من “تعطيل” صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات، وانتهاء ب”إفشال” نظام التقاعد، وما رافق ذلك من تعسفات وقرارات تهم الاستغناء عن التوظيف العمومي الذي أسفر مثلا عن نظام التعاقد.
ثم هناك ما يحاط بسيرة رئيس الحكومة الذي دعاه وزير العدل، في تصريح مسجل إبان الحملة الانتخابية، إلى أن يرد مبلغ 17 مليار درهم التي جناها وشركاؤه من قطاع المحروقات. وهو ما جدد بعض النواب طرحه من داخل قاعة البرلمان دون أن يفند ذلك المعني بالأمر، ودون أن تتحرك جهات الاختصاص من أجل استعادة “المال الضائع” إلى خزينة الدولة.
ولذلك ما ان انطلق الأداء الحكومي حتى تم إبطال وعود التصريح الحكومي، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، مثلما تم سحب نص تجريم الثراء غير المشروع، وتعطيل مشروع الضريبة على الثروة، وتعليق مطلب محاربة الريع والفساد، وإفراغ الحوار الاجتماعي من محتواه. وتوازى ذلك مع ادعاء الوفاء لشعار “الدولة الاجتماعية” عبر مفاعيلها الخاصة بالحماية التي هي أصلا مشروع ملكي لا نقاش حول نجاعته فيما المشكل الحقيقي يكمن في مدى قدرة الحكومة على تدبير تلك المفاعيل.
في ظل هذا السياق، تم التصويت على القانون المالي الذي يندرج، بالنسبة إليّ تحت عنوان “اليد التي تعطي هي التي تأخذ” لأن بعض الإيجابيات كما في بعض حالات الإعفاء الضريبي لبعض المنتجات كالأدوية مثلا تتجاور مع ضدها. وسأوضح هذا الاندراج استنادا إلى قراءات لعدد من المختصين والخبراء ضمن صحف ومواقع إعلامية مختلفة، وانطلاقا من ثلاثة مداخل:
– الأول: قيام القانون على ما اعتبره الدكتور نجيب أقصبي توقعات غير واقعية من قبيل التعويل على وفرة المحصول الزراعي المرهون بالظروف المناخية، وعلى تقدير معين لسعر النفط والغاز، وارتفاع الطلب الخارجي الموجه نحو المغرب، وكذلك على وضع صرف الدولار والأورو.
– الثاني: وفاء الحكومة لإملاءات المؤسسات المالية الدولية، ولفكرة أن ثغرات الميزانية لا يمكن أن تملأ سوى من جيوب المواطنين البسطاء، وذلك عبر نظام محكم لفرض الضرائب بالتساوي على الفقراء والمتوسطين والأثرياء، ولإثقال المقاولات الصغيرة والمتوسطة فقط.
ثم هناك المدخل الثالث الذي هم جزءا آخر من سلوك الحكومة متعلقا بإنقاذ الميزانية عن طريق المديونية، لا عن طريق إصلاح يُرَشِّد الإنفاق العمومي، ويقر العدالة الجبائية، ويحد من معضلة تنامي البطالة إلى غيرها من الإجراءات المصاحبة.
نتيجة ذلك كله يظل الأفق غائما، خاصة حين نستحضر رهانات وتحديات كبرى سيواجهها المغرب بحيث يرى المختصون بأن مسار تدبيرها العملي غير واضح تماما. فبالإضافة إلى كلفة تغطية آثار الزلزال الممتدة، هناك كلفة تنظيم كأس إفريقيا سنة 2025 وكأس العالم سنة 2030. ومعنى ذلك الارتهان بمزيد من المديونية، وبالإجهاز على جيوب المواطنين البسطاء.
السؤال بعد الذي جرى ويجري:
هل كان ممكنا إدامة عمر الحكومة لولا غياب المعارضة، أو على الأقل محدودية دورها في إقرار التوازن لإنقاذ ديموقراطيتنا الهشة؟ وهل هو ممكن دائما الاستسلام لحكومة تريد الإصلاح، كما قال نجيب أقصبي، بدون توفير شروط الإصلاح؟