هزيمة الجزائر المدوية في معركة “البريكس” هي في حقيقتها، انتكاسة كبرى، شديدة الوقع، على المستويات الجيوسياسية والاقتصادية، ودرجة الحضور في الفضاء الدولي والإقليمي.
كان بالإمكان تجنب “البهدلة”؛ لو عالجت السلطات الحاكمة، الخانقة للآراء المعارضة؛ ملف الانضمام، بأدنى حد من العقلانية كما فعل الأعضاء الذين فازوا بحظوة العضوية ؛ على اعتبار أن شروط الانتساب إلى التكتل الخماسي سابقا والذي صار، أحد عشرة كوكبا؛ كانت (الشروط) معروفة ومتداولة بين الدول والهيئات المختصة؛ وحتى في صفحات الانترنيت.
الجزائر ، والطامة التي نزلت عليها؛ هي ضحية أخطائها الذاتية القاتلة ؛ ونتاج اختياراتها وحساباتها الفاسدة، منذ عقود من الزمان. تعودت عليها فصارت عقيدة لا تحيد عنها ، ولو كره الكافرون.
لا تريد الدولة المتورمة بالوهم والغطرسة، أن تحيد عن عنادها. ما زالت عقيدتها وشرط وجودها؛ وكأنها في ظل سلطة العقيد، هواري بومدين؛ في أوج جبروته وهوسه السياسي؛ لذلك راكمت الدولة التي لا يتورع رئيسها عن وصفها بالضاربة؛ راكمت الأخطاء والأعداء ، والخصومات، الواحدة تلو الأخرى.
ما هي القيمة المضافة للبريكس، من دولة فاقدة المصداقية والرأي المسموع في المحافل الدولية، دعك من اقتصاد الريع. لم تنتبه السلطات الجزائرية إلى أن الانظمة التي اقتاتت من هباتها المالية السخية، لقاء أدوار خبيثة؛ قد اختفت من خريطة العالم المتغير، باستمرار.
هم يؤمنون، مثل أغلب الذين سبقوهم، بمفهوم متعجرف للصداقة وشكل العلاقة بينها وبين الدول الأخرى. تريدها مؤيدة لها في مغامراتها الخرقاء ورهاناتها العشوائية طائعة تابعة مقابل شراء الذمم.
في هذا السياق، تتوهم الجزائر، أن روسيا ” الحليفة” لم تتغير بعد انهيار صرح الاتحاد السوفياتي.
صحيح؛ لم تتصدع الأسس الثابتة المتوارثة؛ بمعنى أن النظام الحالي في روسيا الاتحادية؛ لم يقم باستئصال جذوره التاريخية مع الماضي وخاصة المجيدة، بما فيها المرحلة القيصرية والفترة السوفياتية. إن المظهر الخارجي للدولة، لا يعبر دائما يشكل مكشوف عن أسرارها وآلياتها الداخلية . لا تعلن صراحة حقيقة الدوافع المحفزة أوالضاغطة عليها؛ ما يجعلها تخطط سياساتها في الداخل والخارج، وفق منطق الضرورة والمصالح القريبة والبعيدة المدى؛ آخذة في الاعتبار، طبيعة الخصوم ورد فعلهم وعدم إزعاج الأصدقاء؛ بما يملك الجانبان من عناصر ضعف وقوة.
لم يتعلم حكام الجزائر، من درس علاقات”روسيا” بالعالم العربي؛ بدءا من الخمسينيات إلى سبعينيات القرن الماضي . أثبتوا أنهم أقل خبرة وثقافة سياسية من نظام الرئيس الراحل عبد الناصر؛ وقد عانى، كما هو معلوم، من بطء الروس، والتلكأ في الاستجابة لمطالبه الكثيرة والعاجلة. صحيح ، أنهم كانوا حلفاء وأصدقاء كرماء إلى حد كبير مع النظام الناصري، والدول العربية التي سارت في فلكه وقريبة منه. يمدون الأصدقاء العرب، بالعون العسكري والتأييد الديبلوماسي ؛ بما لا يعرض مصالحهم للخطر، وفق قواعد التوازنات العالمية.
وخلال حروب عبد الناصر، ضد إسرائيل؛ لم يزوده الروس بكل طلبياته من الأسلحة المتطورة المصنعة في معالمهم في ذروة الصراع . كانوا يقولون للعسكريين المصريين والعرب ، بمن فيهم، الرئيس الراحل “بومدين”: أحسنوا استعمال ما عندكم ، من عتاد وأسلحة، فهي لا تقل نجاعة عن التي تمتلكها أسرائيل، عدوة العرب التي لم يقطع السوفيات، علاقاتهم بها مكتفين، في أسوأ الأحوال بتجميدها ، أو التعبير عن الغضب من سعيها المتعمد لإذلال حلفائها.
مصالح الدولة الروسية هي الأساس، بداية ونهاية. هذا، ما لم يدركه المتحكمون في الجزائر: روسيا تبيعهم السلاح، كأي زبون آخر. لا مانع عندها من تعميق وتنويع علاقات استراتيجية نافعة للبلدين؛ ولكنها، كما أميركا، الصين والهند غير مستعدة، لا منفعة لها في مناصبة العداء للمغرب؛ فقط لأن الود مقطوع بين الرباط والجزائر. إنه مثال للحسابات الضيقة الخاطئة، التي أساءت بها الجزائر إلى صورتها، كنظام وإلى شعبها الذي يطالب بالدولة المدنية.
فبدل أن تتشاور ، جارة المغرب، مع الدول المؤسسة ل “للبريكس” وتستمزج رأيهم بخصوص الخلاف المستعصي بينها وبين المغرب؛ أن تسمع لرأيها بجدوى إحياء تكتل المغرب العربي، وإطلاقه على سكة جديدة؛ تمشيا مع ثقافة التكتل والتكامل الاقتصادي المعتمدة في مناطق العالم؛ بدل ذلك ؛ قامت بترحيل ، الدمية “بنبطوش” إلى جنوب افريقيا؛ بتواطؤ بينهما ؛ دون مراعاة مواقف الأربعة الكبار في تجمع “البريكس” لم يكن مفاجئا أن يتلقى المسيؤون لثورة “المليون شهيد” تلك الصفعة المدوية في شعاب جبال الأوراس. لعلهم يرعوون عن غيهم …