يواجه بيدرو سانشيث، منذ مدة، معارك سياسية في شتى الواجهات والجبهات . فبعد إقناع أحزاب، طلب صوتهم لاكمال النصاب المطلوب لتشكيل حكومة ائتلاف اليسار الثانية، وستكون الاولى؛ منذ إعلان الجمهورية في إسبانيا في غضون ثلاثينيات القرن الماضي، قبل التمرد العسكري عليها؛ على يد اليمين الفاشي بزعامة فرانكو.
فإن خرج الزعيم الاشتراكي، سالما، منتصرا من هذه التجربة الوعرة وقادها حتى نهايتها، فسيعتبر واحدا بين أكابر الساسة الاسبان المؤثرين في تاريخ البلاد المعاصر؛ بالنظر للتحديات الكثيرة التي تصدى لها على جبهة الخصوم والمؤيدين.
ولا يمكن وصف ما حققه من مكاسب، حتى الآن؛ إلا بالإنجاز غير المسبوق، وخاصة ما يتعلق بتهدئة الأوضاع الملتهبة في إقليم كاتالونيا، حيث تنامي المد الانفصالي بسرعة، خلال العقود الأخيرة.
واجه “سانشيث” بصبر وأناة، معارضات عدة، وخاض معارك مفاوضات الإقناع؛ في بيته الاشتراكي، أولا حيث أيدته بالتصويت، القواعد الحزبية؛ وإن حز في نفسه أن أسماء تاريخية وازنة في حزبه؛ لم تقتنع بمنطقه ورهانه الخطر ؛ إذ اعتبروا ذلك خضوعا لابتزاز أقلية، مارسه سياسيون متشددون من اليسار الماركسي المتراجع؛ والقومي الناهض.
ولم يكن إقناع حلفائه القدامى والجدد في تجمع ” سومار” بالأمر الهين؛ فبالاضافة إلى تباينات ايديولوجية معروفة بينهم فإن “السوماريين” يجرون معهم خلافات بينية، تربوا عليها حينما كانوا مجتمعين في تنظيم ” بوديموس” قبل أن يتفرقوا قددا.
وكما كان متوقعا، أظهر اليمين الاسباني التقليدي والمتطرف، شراسة ضارية في حملات تبخيس وتشكيك ، ضد الزعيم الاشتراكي؛ سواء بحشد أنصارهم، في الشارع حيث دعوا إلى مظاهرات واحتجاجات جماهيرية، رافضين اتفاق سانشيث وبودجيمون!! أكثر من ذلك أن عناصر من قوات الأمن، ورموزا من أسرة القضاء؛ لم يتورعوا بدورهم، عن اتهام، بيدرو سانشيث، بما يشبه خرق الدستور وخيانة الوطن.
هل يمتلك سانشيث، حقا، كل هذه الجرأة التي جعلته يقف مع جماعة مم الاوفياء، في وجه عواصف المعارضين الصارخين والمترددين؟
صحيح أن رئيس الوزراء المقبل، معروف بشجاعته السياسية واستعمال كل الأوراق التي بحوزته؛ وهو من السياسيين القلائل الذين وفقوا في مسارهم العام، بين : الإقدام، الرؤية الاستباقية واليقظة الحذرة. فضلا عن استعداد متجدد لتحويل الخسارة إلى ربح.
وفي اعتقادي المتواضع، أن “الزعيم” يستند إلى قوى خفية مؤثرة، هي التي شجعته وساندته دون ظهورها، على السطح . يمكن أن أجملها في التيار الشعبي العريض الذي يطمح إلى التخلص من رواسب وإرث الحرب الاهلية الإسبانية. وضمن هذا التيار العام ، يتواجد : اليسار المعتدل واليمين الليبرالي البراغماتي، والقوى الاقتصادية، التي تسعى إلى أن تتبوأ البلاد مرتبة أرفع مما هي عليه بين الاقتصادات العالمية.
يمكن إضافة، دون تحفظ، أو خوف؛ القوى العميقة في أجهزة ومفاصل الدولة؛ وخاصة الجيش الذي تربى على الطاعة والولاء، لرمز السيادة الوطنية أي العرش والملك.
إن سكوت الأخير، وهو لا يتوفر على صلاحيات دستورية للتدخل، لوقف توجه سياسي أساسي؛ فإنه ربما استعمل نفوذه المعنوي الناعم، بذكاء ودون جلبة ؛ تاركا للآخرين إكمال المهمة.
صرح سانشيث، غيرما مرة؛ أنه يسعى من أجل أن يعم الوئام والتعايش بين الإسبان، دون تمييز بين القوميات والثقافات واللغات والمساواة في الحقوق الإنسانية؛ وكلها قيم ومبادئ ، ينظمها ويؤطرها الدستور، المعبر عن إرادة الأمة وتوافقها.
تفتح إسبانيا، مع حكومة ساشيث، وهي الثالثة، صفحة جديدة في تطورها السياسي. ستكون بالتأكيد مرحلة صعبة ومثيرة؛ بل معرضة للانتكاسة؛ بفعل نزوعات متطرفة، من اليمين أو اليسار.