حينما تتأزم أوضاع السياسة في إسبانيا، عقب أي استحقاق انتخابي مفصلي، يفاقم الأزمة؛ يتحدث حكيم السياسة : فيلبي غونثالث، أول رئيس وزراء دستوري إثر فوز كاسح في انتخابات عام 1981.
هو لا يتحدث، معلقا على الاحداث ؛ كما فعل اليوم، كمسؤول حزبي سابق بعد تقاعده ؛ وإنما كرجل دولة مراقب، ذي كلمة مسموعة ورأي راجح داخل البلاد وفي الخارج. لا يتردد في انتقاد حزبه الاشتراكي؛ إن لزم الأمر، مثلما تصرف مع خلفه الحالي في قصر ” لامنكلوا” .
وفي حديثه إلى إذاعة ( أوندا ثيرو) صباح الثلاثاء، كان الزعيم صارما، حيال الشروط التعجيزية التي عرضها ” كارلاس بودجيمون” لتسهيل تشكيل الحكومة الجديدة؛ وفي مقدمتها؛ إعلان عفو عام، على المورطين في تمرد فاتح أكتوبر عام 2017، ضد الدستور الاسباني، وإعلان الجمهورية بواسطة استفتاء سكان إقليم كاتالونيا ؛ نظم من جانب واحد وشابته خروقات كبيرة.
غونثالث قال إن ” العفو العام ” عن أعداء الدستور، غير منطقي، ومناف للقانون الأسمى للبلاد؛ على اعتبار أن المتمردين قد يعودون إلى ارتكاب نفس الجرم السياسي، ما داموا معتقدين أن إسقاط الأحكام عنهم؛ يعني أنهم كانوا أبرياء، وعلى صواب.
وبدا الزعيم الاشتراكي الأسبق؛ متشددا أكثر بخصوص الشرط الثاني الذي وضعه الزعيم الانفصالي ” بودجيمون” وهو ذلك المتعلق باستفتاء تقرير المصير، لكنه مع ذلك يعارض توريط القضاء في إشكالات السياسة.
وكانت الزيارة الأخيرة التي قامت بها قبل يومين، نائبة رئيس الوزاء، يولاندا دياث، إلى بروكسيل، للاجتماع بالفار من العدالة ” بودجيمون” قد تركت انطباعات متفائلة لدى تصريحها أنها بحثت مع زعيم ” جونتس بير كاتالونيا” كل السبل الممكنة، لانهاء الانسداد السياسي الذي أحدثه القوميون الكاتالان، وخاصة جماعة” بودجيمون” الرافضة حتى الآن، إظهار أية مرونة، لجهة تسهيل تشكيل الحكومة الجديدة التي يتنافس على رئاستها زعيما الحزبين الكبيرين : الشعبي والاشتراكي العمالي.
وفي تعليق على تصريحات ” غونثالث” المتشبثة باحترام الدستور ؛ علق مسؤول حكومي إن الاشتراكيين ، يمارسون السلطة الحكومية وفق مبادئ حزبهم التي أسسها غونثالث” الذي حكم خلال ثلاث ولايات متتالية.
وليست هذه المرة الأولى التي يحرص فيها الزعيم الاشتراكي التاريخي,على إظهار خلاف هادئ ، مع الرفاق الذين جاؤوا بعده، وخاصة بيدرو سانشيث، الذي كان وصوله إلى الأمانة العامة، مفاجئا، ثم تمت إقالته على خلفية اتهامه بالقرب من بوديموس؛ ليعود مظفرا في انتخابات حزبية تالية.
ويعتقد غونثالث، أن ما يسمىحركة 15 مايو، التي أسفرت عن تأسيس حزب ” بوديموس” هي التي أفسدت من وجهة نظره الحياة الحزبيةالاسبانية؛ واصفا أتباع بابلو ايغليسياس الزعيم الأول ل ” بوديموس” بأنهم ظهروا كالصواريخ في الفضاء، ليتساقطوا سريعا كالفقاعات!!!
ويبدو أن الجيل الجديد من القادة الاشتراكيين ، لا يوافقون زعيمهم الأول في مقارباته كلها، لكنهم يصغون، إليه ويبدون قدرا كبيرا من الاحترام له؛ مثلما يكتفي الزعيم من جهته بإبداء الرأي، دون تحريض تيار ضد الآخر.
وفي هذا السياق يرسل، بيدرو سانشيث، رئيس الحكومة المؤقت الاشارات عن إمكانية حصول اتفاق في آخر لحظة مع القوميين الكاتلان، وخاصة أنصار بودجيمون؛ وإن كان التشدد يطبع مواقفهم؛ فبدل ” العفو العام” على المدانين بالتمرد
على الدستور ؛ يقترح سانشيث كخطوة أولى التعايش convivincia بدل العفو العام Amnistía. ومن شأن هذا التدرج أن يساهم في توثيق عرى الوحدة الوطنية، وإنجاز الإصلاحات الاساسية التي يتطلبها تطور البلاد وتغير المجتمع .