(من وحي ذكرى تقديم عرائض المطالبة بإلغاء الحمايات )
“رغم صدق نوايانا لم نستطع القضاء على فلول عهد الجمر البائد ، وتعود أحد الأسباب لعدم انخراط الجميع في معركة القطع مع الماضي” ـ مصطفى ابو نسيم ـ
هناك تصفية لحسابات سياسية ، والإجراءات الارتكاسية لا تخلو من ذلك ، والهدف إسكات الأصوات بهدف استئصال كل ما هو تأسيسي لقيم ومبادئ التحرر والديمقراطية والعدالة والحقوق الإنسانية وكل ما هو ترسيخي لها …فعلا يبدو وكأنه كلام تحصيل حاصل يتكرر يوميا في صيغة خطاب مبتذل ، وكأننا نحاول إعادة إكتشاف العجلة ، أو نراهن على أن يغير النظام السياسي نفسه تلقائيا ، والحال أن المجربين ، وليس فقط التجريبيين ، واعون ايما وعي أن المنظومة قد تتكيف دون ان تتحول.
وبعيدا عن نفي لنظرية المؤامرة او تاكيد لها ؛ وجب التفكير في تجاوز الوضع والخروج من دوامة تكرار نفس اساليب الحرب، التي قد تكون ناعمة او شرسة أو قذرة والتي تستعمل فيها ورقة الفوبيا السائلة والاغتيال الرمزي، والتي لا يمكن مواجهتها بالمظلومية Hو الشعبوية، بل بالتفكير العميق في كيفية تغيير بنية تقليدانية تتغذى من نسق رأسمالي متوحش، امتهن خلال العشرية الأخيرة الاستثمار في الطائفية وفي كل التناقضات ذات الطبيعة الإثنية واللبوس الثقافي واللغوي، بل إن العقل الأمني الامبريالي اختار مناورة تصدير الدمقراطية ولكن بتنفيذ من طرف أدوات وقوى رجعية ومحافظة ، اعطيت لها فرصة “منافسة ” Hنظمة الدول” القومية “، وكذا نادي الملكيات، في شرعيتها الدينية وأحيانا بلوس إجتماعية ( إحسانية )/
وقد حان الوقت للإقرار وبنسبية كبيرة طبعا بأن مسلسل المصالحات المرتكزة على الإصلاحات المؤسساتية والدستورية والتشريعية فشل بسبب مقتضيات ” الربيع العربي” الذي مكن حكومات إسلامية التحزب والأذرع من إجهاض كل مكتسبات التراكم الحقوقي بتعاقدها مع كل الامتدادات والالتزامات التي مصدر قراراتها وإملاءاتها تعود للمؤسسات المالية الدولية ،فيما يمكن تسميته ” اقتصاد الدين ” المؤطر بسياسة Hدلجة الدولة والمؤسسات؛ لذلك ينبغي تأسيس أي رهان ممكن ، لا على الهاجس الانتخابي أو التوجس الأمني، بل على أساس الدعم الثقافي لكل نقطة ضوء في مسار وإرادات التحديث والتنوير ، رغم الصعوبات التي يمكن تسجيلها لدى العقل السياسي المغربي غير المتحرر من تمثلات التقليدانية ومن أسطرة و تمجيد الشرعيات التاريخية والدينية ، والحال أن الوقت حان لإطلاق كل المبادرات التي تروم تخليص الفكر التقدمي والعقل النقدي من كوابح اللحظات الوطنية، المعتبرة كحق يراد به بطلان وعدم جدوى اللحظة الدمقراطية وعدم راهنيتها، ولكم دعونا من ضرورة إقفال قوس التوتر المفتعل بين بعض قيادات الحراكات وبين ما تم نعته بالدكاكين السياسية اقترانا مع تفادي الخوض في الحروب الصغيرة والأهلية بين الاصوليات هنا وهناك.
وحصل أبرز انتقال من العياء الحزبي إلى إفلاس حقوقي ثم محاولة إحتواء آخر منصات الممانعة ومقاومة الانهيار باستعمال ورقة الأمن الصحي ، باسم العقلنة البرلمانية المبررة لاحتكار التشريع كما حصل في السلطة والثروة والقوة العمومية ، ليطرح السؤال في آخر التحليل: كيف يمكن تحديث نظام سياسي غارق في التقليدانية، وتحويل نمط انتاج هجن موغل في نزعة التقويض والانتقام من كل ( ما ومن ) هو حداثي والحال أنه يستحيل القطع مع ماضي المقاومة والكفاح الوطني والنضال الديمقراطي في نفس الوقت العمل على تحصين مظاهر التسلط وإنعاش مقومات الاستبداد ، لأنه في هذه المفارقة تكريس للتكرار وإجهاض لكل ممكنات الطي العادل والمنصف لصفحات الماضي القاتمة على علة المصالحات المنقوصة.
وبيت القصيد وباعتماد السرديات الأمنية، يفترض أن العقل الأمني خبير وخابر بما جرى وخبايا الأمور، بل واع بأن الإنتقال الأمني لم يحصل بعد ، فلا زالت العقيدة الأمنية تركز على حماية النظام أكثر من حماية الوطن والمواطنين، وإن كانت المظاهر تؤشر على إهتمام خاص بالعلاقات الخارجية، غير أن علاقتنا مع الجوار وفلول الإستعمار لازالت تشوبها نواقص من حيث الترشيد والعقلانية، في وضوح طموحات الحلفاء والعملاء والتي تروم تأبيد العلاقة الإذعانية والذيلية والإلحاقية، في زمن يطمح وطننا إلى فك الإرتباط وضمان شروط التأسيس لتنافسية حقيقية وندية ناجعة ، فمتى يتعقل العقل الأمني نفسه لكي تتولد عنه عقلية جديدة ( على حد قول الفارابي في نظرية الفيض ) .
*منسق منتدى ضمير الذاكرة والسرديات الأمنية
ورئيس المركز المغربي للديمقراطية والأمن