(إمارة الفجيرة/ خاص) ـ تواصلت لليوم الثاني في الفجيرة بالإمارات العربية المتحدة فعاليات مؤتمر الفلسفة الدولي ـ الدورة الثانية ـ المقام تحت رعاية ولي عهد الفجيرة الشيخ محمد بن حمد الشرقي، حيث استمع الحضور إلى مداخلات المفكرين والباحثين: د. محمد محجوب (تونس)، د. حسن حماد (مصر)، د. أنور مغيث (مصر)، د. خالد كموني (لبنان).
استعرض محمد محجوب سبل التعامل التقليدي مع ماضي الفكر، وقال “إما أن نتعامل معه كجملة من الأفكار الحاصلة والمكتملة والتي تمت صياغتها صياغة مذهبية في شكل “مقالات” جاهزة ومغلقة قابلة للوصف والتفصيل، وإما أن تقابلنا تلك الأفكار كتجربة حية من الافتراض والحجاج والاستنتاج والجدل تشقها مواقف معلنة أحيانا وضمنية أحيانا أخرى، مما يحملنا على أن نتعامل مع هذه التجربة على أنها تجربة لانهائية لا يمكن استيفاؤها ضمن ثبت محدود.”
وأشار إلى أن الاضطلاع التاريخي بتاريخ الفكر عندنا ليس راجعا إلى الطبيعة التاريخية لهذا الفكر، وإنما هو راجع إلى كون المعرفة التاريخية كانت – ولعلها ما تزال – هي المعرفة الوحيدة الجاهزة والعملية التي يمكنها استيعاب تاريخنا الفكري وتلقيه وتحقيبه وتنزيله في السياق الوحيد الممكن لها، سياق التاريخ السياسي والاجتماعي.
وأوضح أن ما يسمى بـ”الدراسات الحضارية” في الجامعات العربية هي إلى اليوم تمارس نوعا من الحوار الصامت مع المعرفة التاريخية التي تعتمدها. وتطرق إلى ضرورة الانكباب على ما أطلق عليه “الوعي التاريخي”.
أما بخصوص الدراسات الفلسفية، فقال إنها لم تتمكن لحد اليوم من الخروج عن الإشكاليتين اللتين طرحتهما المعرفة التاريخية: تحقيب الحدوس الفكرية في علاقة بسياقاتها، وتفصيل القول في تلك الحدوس على خلفية تاريخية. وخلص إلى القول إن الخطاب الفلسفي في العالم العربي خطاب شبه حضاري، ذلك أن كثيرا من المحاولات التي اندرجت ضمن ما يسمّى إجمالا بمشاريع القراءة هي محاولات إعادة قراءة تقوم على “إعادة تأهيل” لماض فكري.
وتناول حسن حماد موضوع “سلطة المقدس في الراهن العربي”، ملاحظا أن هناك حضورا طاغيا للمقدس لدرجة أن سلطة السياسة في بعض الدول تحاول التواؤم مع سلطة المقدس التي تصبح مخيفة عندما تسيطر على العقل الجمعي، وتؤدي إلى غياب غياب الخطاب الفلسفي وسيادة الشلل العقلي.
واختار أنور مغيث تقديم قراءة في “جمهورية” أفلاطون من أجل مقاربة إشكالية الفلسفة والإصلاح السياسي، إذ أوضح أن الفلسفة بوصفها بحثًا عن الحقيقة تمارس نوعًا من الترشيد للممارسة السياسيّة، فتحرّرها من البلاغة الزائفة ومن المهارات الخطابية ومن صور التلاعب بالجمهور.
وتطرق إلى ما توجهه الديمقراطية من تحديات في العصر الحالي، مشيرا إلى أن الأزمات السياسية تظهر في أيامنا هذه بشكل متواتر أكثر من ذي قبل. وأكد أن الديمقراطية صارت نظام حكم ممتدًّا في الزمان على مدى أكثر من قرنين خلافًا للديمقراطية في اليونان القديمة التي لم تتجاوز خمسين عامًا، وأصبحت نظامًا راسخًا في كثير من البلدان وأفقًا للتطوّر السياسي في بلدان العالم الأخرى، على العكس من التجربة اليونانية القديمة الّتي اقتصرت على مدينة أثينا. كما نجحت الديمقراطية المعاصرة في إدماج جميع المواطنين، في حين أنّ ديمقراطية أثينا كانت تستبعد النساء والعبيد والغرباء. واستنتج أن الديمقراطية المعاصرة تعاني من أزمات شتى تزعزع ثقة المواطنين بها، خاصة تمويل حملات المرشَّحين الانتخابيّة من قبل الشركات الكبرى والبنوك.
بينما تصدى خالد كموني للممكنات في العالم العربيّ، حيث بدأ مداخلته بلفت الانتباه إلى إشكال في نوعية التفلسف العربي المعاصر، قائلا إننا نستقرئ مظاهر وعي الممكن في نموذجين فلسفيين عربيين راهنين، واحد مغربي يستشكل التفلسف وآخر مشرقي يستشكل الذات في تفلسفها. وأوضح أن فلسفة المشرق العربي تُقرَأ من الذات التي تُنشئها، والفيلسوف في المشرق عليه أن يتّجه نحو إمكان الفعل، بتنظير هادئ يطرح الممكن العمليّ في بنية الوعي نفسه، عليه استعادة التنظير من سلطة التطبيق المميت.
وأضاف قائلا إن التفكير في الممكن يأتي من وعي بضرورة تجاوز المتحقِّق الموجود الذي استنفد واقعيَّته. والفهم العابر للزّمان هو التخلي عن العلم لأجل المعلومة.
وأفاد أننا اليوم نعارك الفشل الديني والسياسي والقِيمي وكلّ ما تفرضه سلوكات الانفلات الاجتماعيّ. كما أن إنّ التكنولوجيا الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعيّ وكل هذه الثورة التواصلية الكونية طوَّرت نوعية طروحاتنا الفلسفية، بحيث إنّ السؤال القيميّ قد أربك الجميع، فلن يكون بعد اليوم سؤالًا عابرًا.
وقال “لو وضعنا لوحةَ الواقع أمام الفكر لوجدنا: فكرًا سنِّيًا أسَّسه الإخوان المسلمون وتوابعهم، وفكرًا شيعيًا وعلويًا برز مع بروز الخميني في إيران، وفكرًا مسيحيًا قوميًا برز في لبنان وجنوب السودان، وفكرًا كرديًا برز في العراق وسوريا، وفكرًا أمازيغيًا برز في المغرب العربي…” وفي اعتقاده “إن هذا التنوع الفكري ليس غنى حضاريًا في الوعي التحديثي لأبناء هذه المنطقة والعالم، بل هو حالة نكوص هُويّاتي تقذف بصاحبها في غياهب الوهم.”
وعند تطرقه إلى السؤال الديني في الواقع العربي، ذهب المحاضر إلى القول إن اللحظة التي تسمح لنا بالتفكير في الحاجة إلى الدين هي لحظة إمكان الفلسفة، وإعمالها في الذهن العربي الواقعي.
ولاحظ أن الدين اليوم يحدد الهوية الخاصة، ويحدد سياسة الدولة وأحلافها، ومتى يجب أن يكون الآخر شيطانًا ومتى يجب أن يكون حليفًا، وكل ذلك يحدث ضمن تبريرٍ إيمانيٍّ وثيق في نفوس المؤمنين.
واعتبر أن إمكان التنازل عن مظاهر الإسلام المتصارعة سيكون مفعِّلًا أساسيًا لمنهجٍ تجاوزيّ يؤسّس للمفهوم المتعالي للعقل العملي النقدي، بدل الانخراط العشوائي في التطبيق المجاني للمفاهيم الموجودة.