في عنوان شاخص مجلب للأضواء والاستعادات، أبرق بيت الشعر المغربي رحيل الشاعر الفرنسي الأغواري، المتقد بروح الفلسفة والفكر، ميشيل دوغي، مجسدا بذلك حكمة الشعر التي ظل وفيا لكينونتها زمنا ليس بقصير.
ولكي نحمي وقفة البيت السيروري، القابض على جمر التمجيد والإخلاص لعقيدة الكون والجمال، نحتفظ بنص النعي كاملا غير منقوص، ودون تدوير إعلامي لنصه السامق.
هكذا جاء شفيفا فاغرا فاه كمظلة منيرة تتباهى على قيامة حقيقة بالنبل والاعتراف:
في رحيل الشاعر ميشيل دوغي:
“في السادس عشر من فبراير 2022، فقدَت القصيدةُ الفرنسيّة والعالميّة الشاعرَ الفرنسيّ الكبير ميشال دوغي، بما عمّق فداحة الفقدان الذي حلّ بالمشهد الشعريّ الفرنسيّ، في السنوات القليلة الماضية، بعد موت الشاعر إيف بونفوا مطلع يوليو 2016، وموت الشاعر برنار نويل في أبريل 2021. ظلّ الشاعر ميشال دوغي في مُنجَزه النصيّ مؤتمَنًا، مُنذ ستينيّات القرن الماضي، على إضاءةِ منطقةٍ اقترنتْ، في أرض الشعر، بهذا المُنجَز، وتميّزتْ بصيغةِ اللقاء الذي أقامه بين القصيدة والفلسفة، مُولّدًا به أسئلةً وجوديّة، واشتغالًا خاصًّا للّغة في شعرٍ فكريٍّ أو فكرٍ شعريٍّ. لم يتوقّف ميشال دوغي مُنذ أن ارتضى، مطلع ستينيّات القرن الماضي، الصّلةَ بين الشعر والفكر موقعًا للكتابة، عن التفكير بالقصيدة، وعن التفكير فيها، خصوصًا أنّ ميشال دوغي جاء إلى الشعر من الفلسفة، بعد أنْ تشبّعَ بأسئلتها، وبقضاياها، وبمجهول نصوصها. بهذا التشبّع، خطّ ميشال دوغي عبورَه الأوّل إلى أفق من آفاق اللقاء الذي أقامهُ بين الشعر والفكر، دون أن يكفّ عن توسيع عناصر هذا اللقاء انطلاقًا من الانفتاح على التشكيل والموسيقى. كانت قصيدة ميشال دوغي تَنبني، في مَلمحها الغالب، مُفكّرةً في مَوضوعها، ولكن من داخل مُختلف العلاقات التي أقامَتها لا مع الفلسفة وحسب، ولكن أيضًا مع التشكيل والموسيقى. إنّها قصيدةٌ حديثة، انبنَتْ وهي تتأمّلُ موضوعَها اعتمادًا على الفكر، بما جعل المعنى فيها يتولّدُ من فعل الفكر، وجعلَ هذا المعنى مُنتجًا، في الآن ذاته، للفكر، عبْر المحاوَرات الفكريّة التي اضطلعَت بها قصيدة دوغي وهي تُقارب قضايا وجوديّة، أو عبر المحاوَرات التي أقامتْها مع أعلام الفكر الكبار. وبذلك، هيّأتْ القصيدةُ، التي شرعَ ميشال دوغي في كتابتها مُنذ ستينيّات القرن الماضي، مَتنًا خصيبًا لتأمّل أحَد تحقّقات اللقاء بين الشعر والفكر. لم يكُن اللقاء الذي حقّقهُ ميشال دوغي بين الشعر والفلسفة مُقتصرًا على مُنجَزه النصّيّ، بل امتدّ أثرُه إلى الترجمات التي أنجزَها، وهي ترجمات توزّعَت بين الشعر والفلسفة، كما لو أنّ الشاعرَ كان، بنزوعِ ترجماته إلى الفلسفة والشعر، حَريصًا على تغذية المنطقة التي منها وفيها كتبَ قصيدتَهُ. ولم تكن ترجماتُه، فضلًا عن ذلك، سوى مَلمحٍ من ملامح انشغاله بأسئلة الشعر وقضاياه. انشغالٌ جسّدته كتاباته النظريّة عن الشعر، وجسّدهُ إشرافه على مجلة “شعر” الفرنسيّة. لقد كان الشاعر ميشال دوغي واحدًا ممّن أخلصوا للشعر. تجلّى هذا الإخلاص، الذي امتدّ ستّة عقود، في كتابةِ قصيدةٍ مُنشغلة بأرضِ كتابَتها، كما تجلّى في الترجمات التي واكبَ بها ميشال دوغي الشعرَ العالميّ، وفي التأمّلات النظريّة التي خصّ بها الشعر”.
بيت الشعر في المغرب فبراير 2022الدار البيضاء