ما إن بدت على جسدها الصغير النحيل ، ملامح أنوثة مقبلة ، حتى بدأت تحوم حوله عيون متطفلة ، تلك التي تراها نضجت كفاكهة مشتهاة يسيل لها لعاب نزق، وعيون أخرى تفكر في حجبه قبل كساده، مما دفع والدها الى التفكير في تزويجها قبل متم السنة ، وارتأى ان ابن عمها هو خير من سيصونها .
أخبر أخاه بقراره هذا ، فما كان من هذا الأخير إلا أن يوافق ، فهو لن يجد عروسا لابنه أحسن من أمنية ، صغيرة العائلة الكبيرة ، اتفقا على أن يكون موعد الخطبة في الشهر الموالي في يوم خميس، حضر جميع افراد العائلة إلى حفل عقد الزفاف ، فهي مناسبة يلتقي فيها الداني بالبعيد ، ويصلون صلة الرحم فيما بينهم . ليبارك الله زواجكما ،وليرزقكما بالبنات والبنين إن شاء الله ، ولتكن ذرية صالحة كانت هذه الكلمات التي تفوه بها احد العدلين اللذين عقدا قرانهما ، وهو لا يرفع عينيه عن أمنية ، كمن غرسهما فيها،ولم يتمكن من استعادتهما مرة أخرى .
كانت جميلة المحيا ، لونها القمحي ، وعيناها السوداوين جعلاها شبيهة بزهرة عباد الشمس في عز عطائها . جلست بين ابيها وعريسها، وهي تلبس قفطانا أخضر اللون، ووضعت أقراطا ذهبية من حجم كبير ، تجعلك تعتقد انها ستستل معها أذنيها الصغيرتين ، يداها خضبتهما الحناء ، وزين جيدها عقد من حجر كريم .كانت تبدو منتشية وهي في زينتها ،كأنها في يوم عيد ، بين الفينة و الأخرى تتلمس أقراطها ، وتتحسس عقدها ، وتبسم.
أما العريس فكان كهلا ، قوي البنية ، يضع على رأسه عمامة ، ويلبس جلبابا أبيض ، تبدو عليه علامات الرجولة ، كما أن يديه كانتا تخبران بعمله الشاق والمضني . بعد انتهاء مراسيم كتابة عقد النكاح ، اصطحبها والدها إلى حيث مجلس النساء ، اللواتي سارعن إلى الترحيب بمقدمها ، مطلقات زغاريد ، فيما بدأت بعض الحناجر تشدو ، والأجساد تتمايل نشوانة ، راقصة معبرة عن مقاسمة الفرح. بين الفينة و الأخرى تلقي اليها احداهن بمدح لجمالها او لحظها السعيد ، لأنها تزوجت وهذا أمر قد لا تحظى به الكثيرات من الفتيات، يصدحن بالغناء ويتمايلن بالرقص، وتعود إحداهن إلى نصحها بأن تكون زوجة طيعة ، تخدم زوجها وتلبي كل مطالبه ورغباته ، دون تبرم ليتضاحكن بعدها ويتغامزن …كانت العروس تستمع اليهن وهي تومئ برأسها، ويعدن مرة أخرى للرقص والغناء .فيما ظل الرجال يتسامرون فيما بينهم ، إلى أن حان موعد وضع الصوان والذي كان فاخرا يليق بالحدث السعيد.
ظل البيت يعيش على هذا الإيقاع الاحتفالي إلى ساعات متأخرة من الليل ، بعدها أخد المدعوون في الانصراف، ليعود تدريجيا إلى بعض هدوئه . إلا أنه لم يخل ممن تجمعهم وشائج قربى من العروسين، والذين اغتمنواالفرصة ليتحلقوا في حميمية حول كبيرهم، ويعيدون شريط الحفل الساهر ،ولحظاته الماتعة ،ويهنؤوا العريس على قراره المتعقل ، هو من أكمل بزفافه دينه. وطال حديثهم وتشعب ، تتخلله الحكايات والانطباعات.
وأخيرا قرر الجمع الانصراف إلى النوم ، وبينما هم يعقدون العزم سمعوا ضحكات بأصوات عالية بتنبعث من أحدى الحجرات، ولم يكن سوى صوت والدة العروس، وبعض قريباتها، التي عادت إحداهن إلى الجمع لتخبرهم، هم من عيونهم تستفسر عن ما يحدث، أنهن باغتن العروس وهي منخرطة في اللعب مع رفيقاتها بالدمى، دون أن تشعر بمقدمهن، فقد كانت في منتهى الفرح و السعادة .
فريدة بوفتاس 04/03/2022
* كاتبة من أسرة “كش بريس”