حظوظ النجاح وعوامل الفشل
وقعت وزارة العدل والحريات يوم الجمعة 16 اكتوبر 2015 اتفاقية بشأن تكوين المحامين مع كل من المعهد العالي للقضاء وجمعية هيئات المحامين بالمغرب وباقي الهيئات السبعة عشر.
وتهدف هذه الاتفاقية، إلى وضع إطار للتعاون بين الأطراف في مجال التكوين المرتبط بالميدان القانوني والقضائي الموجه لفائدة المحامين من أجل إنماء القدرات المهنية لمكونات منظومة العدالة.
وبموجب هذه الاتفاقية، يتعهد الأطراف بدعم وتشجيع مبادرات التكوين الأساسي للمحامين المتمرنين والتكوين المستمر والتخصصي لفائدة المحامين، في انتظار إحداث مؤسسة للتكوين وفق المادة السادسة من قانون مهنة المحاماة. وتنص الاتفاقية على تعهدات لتحقيق أهداف الاتفاقية. كما تنص على إحداث لجنة مشتركة بين الأطراف تعمل تحت إشراف وزير العدل والحريات ورئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب لتوجيه التكوين والتنسيق بشأن تنفيذه تتكون من ممثلين اثنين عن كل طرف من أطراف الاتفاقية مع أمكانية إضافة فعاليات قضائية وجامعية وتعمل اللجنة المشتركة على وضع البرنامج السنوي للتكوين تراعى فيه وحدة برامج التكوين على الصعيد الوطني في المجالات المهنية والقضايا العلمية ومواكبة المستجدات التشريعية والتكوين في مجال الأعراف والتقاليد المهنية ومهام المحامي وإدارة مكتبه والتواصل واستعمال التكنولوجا الحديثة في ذلك وزيارة المؤسسات ذات الصلة بعمل المحامي. ويمكن للجنة المشتركة أن تستعين بلجان محلية مكلفة بالتكوين على صعيد مختلف الهيئات تضم فضلا عن نقيب الهيئة والمكلفين بالتكوين بها مسئولي المحاكم المعنية وفعليات جامعية. وتنص الاتفاقية على التزام الوزارة بتقديم دعم مالي للمعهد العالي للقضاء من أجل تنفيذ برامج التكوين والتكوين المستمر والمتخصص وتقديم أماكن لتنفيذ برامج التكوين. ويتعهد المعهد بتقديم الدعم البيداغوجي اللازم في عملية التكوين وتكوين المكونين لتأطير دورات التكوين وإعداد تقارير ومقترحات بشأن التكوين ترفع إلى اللجنة المشتركة ووضع لائحة المكونين من القضاة والمختصين الذين يؤطرون دورات التكوين وإعداد أماكن لتنفيذ برامج التكوين. وتتعهد جمعية هيئات المحامين بالمغرب بالسهر على تنفيذ البرنامج السنوي للتكوين والذي تعده اللجنة المشتركة على الصعيد الوطني.
هذا كله جميل وكنا ننتظر مثل هذه المبادرة منذ مدة طويلة، وبالضبط منذ الوقوف على خلاصات الدورات التكوينية التي نظمت لفائدة المحامين المتمرنين في مختلف المراكز الجهوية في الفترة من 16 ماي إلى 30 منه سنة 2003، وكانت آمالنا معقودة على نقبائنا وأعضاء مجالس هيئاتنا ولم نفتأ ننبه إلى ذلك بمناسبة المؤتمرات التي تنظمها جمعية هيئات المحامين بالمغرب وكذا بمناسبة مناظراتها.
تشخيص الوضع الحالي وانتظارات
ينص القانون المنظم لمهنة المحاماة علي وجوب خضوع المحامي للتمرين لمدة ثلاث سنوات يمكن تمديدها لمدة سنة بقرار من مجلس الهيئة. ولا دليل على أن مجالس الهيئات تسطر برنامجا لندوات التمرين رغم أن مدتها ثلاث سنوات كما أنها (المجالس) لا تمارس أي رقابة على كيفية إدارة هذه الندوات. كما ينص القانون على أن شهادة مزاولة مهنة المحاماة تمنح من طرف مؤسسة للتكوين تحدث وتسير وفق الشروط التي ستحدد بنص تنظيمي. (ولم يصدر لحد الآن أي نص تنظيمي تاريخ كتابة المقالة اكتوبر 2018).
وكانت بعض النظم الداخلية لبعض الهيئات تنص على إحداث لجنة للتكوين في إطار قانون 1993 غير أننا لم نجد أي أثر لعملها.
مدة التمرين تستغرق ثلاث سنوات، كما يعلم الجميع، يعين النقيب من يراه من المحامين مؤهلا للإشراف على ندوة التمرين ولا يشترط القانون أن يكون عضوا بمجلس الهيئة غير أن جميع مدراء ندوة التمرين كانوا يختارون دوما من بين أعضاء مجلس الهيئة.
مدة التمرين ثلاث سنوات ومن غير المعقول أن تبقى بدون منهجية وبدون برنامج وتخضع لاجتهاد المدير المشرف عليها ولا يقدم تقريرا لا إلى النقيب ولا إلى مجلس الهيئة، ولا يعقل أن يبقى المجلس بدون علم بسير التمرين ولا دور له في تحديد البرنامج التكويني للمتمرنين كما أن التقرير الأدبي الذي يقدمع المجلس أمام الجمعية العمومية لا يتضمن إفادات عن سير ندوة التمرين والصعوبات التي قد تعترضها.
وربما تمهيدا لإنشاء المعاهد الجهوية للتكوين المنصوص عليها في القانون المنظم لمهنة المحاماة لسنة 1993، عقدت دورة تكوينية لفائدة المحامين المتمرنين في مختلف المراكز الجهوية في الفترة من 16 ماي إلى 30 منه سنة 2003، شارك فيها المحامون المتمرنون، وعدد كبير من المؤطرين قضاة ومحامين، ركزت على مواضيع مختلفة تشمل الثقافة القانونية والحقوقية والمسطرية وتقنيات الترافع إضافة إلى آداب المهنة والعلاقة بين القضاة والمحامين.
وكان الهدف أولا: قياس مستوى التعاون بين وزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب بخصوص التكوين. وثانيا: وضع تشخيص للإمكانيات المتاحة من حيث التأطير ومناهج التكوين وتحديد الحاجيات، بغاية تأهيل المحامين للقيام بالدور المنتظر منهم لتحقيق العدالة باعتبارها أداة لتنمية شاملة وتفعيل دورهم في المجتمع.
واستعملت في الدورة التكوينية عدة طرق منها ما هو تقليدي سماه بعض المشاركين في تقييماتهم بالطرق المتجاوزة واستحسنوا الطرق الحديثة ومنها تقنية العصف الذهني Brainstorming التي تساعد على إنتاج الأفكار ولا تترك أي فرصة للمتلقي في الشرود خاصة بالنسبة لبعض المواضيع، كما لاحظوا غيابا شبه تام للمعينات والدعامات SUPPORTS ووسائل الإيضاح وعدم الاهتمام بتقنية الإعلاميات التي تسهل البحث والمعالجة.
ويستفاد من الانطباعات التي دونها المشاركون في استمارات التقييم اليومية أن الاستفادة كانت على العموم جد إيجابية بفضل المستوى الثقافي العالي للشخصيات المؤطرة سواء منهم المحامون أو القضاة. غير أن ذلك لم يمنعهم من إبداء ملاحظات تخص غياب فعاليات أخرى مهتمة بالميدان كالخبراء ورؤساء بعض المصالح ككتابة الضبط والتحفيظ العقاري والعمل البنكي والمقاولاتي وكذا مناهج البحث والتدريب على التقنيات الحديثة.
ومن بين مواد التكوين التي تفرض نفسها اليوم على أي مكون من مكونات العدالة نجد في المقدمة أن التزاوج الذي حصل بين الأنظمة المعلوماتية والقانون قد أنجب وليدا سمي بالمعلوماتية القانونية.
إن هذا العلم الذي يعنى “بمعالجة المعلومات القانونية” يلعب دوراً مهماً في حياة رجل القانون لما يقدمه من خدمات هدفها مساعدته على إيجاد الحلول في شتى الميادين القانونية.
فإذا كانت المعلومة هي الجسر الذي عبره نصل إلى المعرفة القانونية فإن المعلوماتية هي الأداة التي بفعلها تتحقق هذه المعرفة.
إن المعلوماتية القانونية وجدت من أجل خدمة القانون ورجال القانون لما يتمتع به الكمبيوتر من وظائف متعددة ومنها استيعاب كميات هائلة من المعلومات القانونية وقدرته على تسهيل عملية البحث عن المعلومة القانونية وسرعة الحصول عليها وذلك عبر بنوك المعلوماتية القانونية.
ويجب التنويه بهذا الخصوص بالمجهودات المبذولة من طرف وزارة العدل من خلال وضع مواقع إلكترونية وفتحها لبوابة قانونية وقضائية تساعد الباحثين على الوصول إلى النصوص القانونية وتضعها رهن إشارة كل من يرغب في الوصول إلى المعلومة القانونية.
كما يجب التنويه بما بذلته هذه الوزارة في فتح موقع إليكتروني يمسح بتتبع القضايا أمام بعض المحاكم دون ضرورة التنقل، على أمل تغطية جميع المحاكم، علما أن دمقرطة الخدمات تتم عبر هذا الوسيط الإليكتروني بدل الوسيط البشري.
إن وضع هذه المعلومات رهن إشارة مختلف مكونات العدالة في موقع إلكتروني متاح الولوج له للعموم مجانا من شأنه أن يرقى بجودة العمل، حيث حينها يتضاءل العذر بالجهل أو عدم الاطلاع، وعندها أيضا يكون للتكوين المستمر معناه ومردوديته.
كما يجب التنويه بالثورة التي حققتها الأمانة العامة للحكومة بأن مكنت الباحثين من البحث في الجريدة الرسمية عن طريق بوابة لوحة البحث.
محكمة النقض وضعت بدورها مؤخرا (سنة 2022) رهن إشارة العموم إصداراتها على موقعها الإليكتروني في صيغة قابلة للمعالجة النصية وتضع بذلك حدا للاتجار في اجتهاداتها.
يبقى على المحامي أن يتسلح بحاسوبه وأن يتعلم كيف يضع أصابعه على لوحة مفاتيحه.
وعلينا أن نعتبر مسئولية التكوين والتطوير في هذا الباب مشتركة بيننا جميعا محامين وقضاة ومسئولين حكوميين والقطاع خاص. لماذا لا تسلم لنا نسخ الأحكام على الوورد ولماذا لا ندرج مقالاتنا ومذكراتنا في حواسيب القضاة مباشرة تسهيلا لمهامنا عند تحرير مذكرات الطعن ولمهام القاضي عند تحرير حكمه ولمهام كتابة الضبط عند طبع الأحكام.
سمعنا بكل تفاؤل بأن وزارة العدل والحريات بصدد إعداد دراسة لمشروع ينتهي معه التعامل الورقي في المحاكم في أفق سنة 2020 عبر منصة لتواص المحامين مع المحاكم فهل يستعد المحامون للاندماج في هذا المشروع؟؟؟.
وإذا كان الهدف من برامج التكوين هو تأهيل المحامين للقيام بالدور المنتظر منهم لتحقيق العدالة باعتبارها أداة لتنمية شاملة وتفعيل دورهم في المجتمع.
فإن منهجية التكوين وبيداغوجيته تقتضيان أولا الوقوف على تشخيص للوضع الراهن وتحديد المواضيع ذات الأولوية ثم توزيع المحامين المستهدفين من التكوين على مجموعات حسب حاجياتهم؛ إذ هناك من يحتاج إلى أمور كثيرة، نظرية، وتقنية، وهناك من يحتاج فقط إلى التدريب على تقنيات استخدام برامج تدبير وتنظيم المكتب، ولكل مجال أهله وخبراؤه. ومن التقنيات المعتمدة في وضع برامج التكوين تهيئ استمارة يختار منها المستهدف موضوعا أو عدة مواضيع يحتاج فيها إلى تكوين، ولذلك فإن عدم إشراك الفئة المستهدفة في وضع برنامج يعتبر من عوامل الفشل وهو ما نخشاه وسيلمسه الجميع من خلال مستوى الحضور.
ثم إن الوعي بمتطلبات المرحلة وبمخاطر التأخر عن مواكبة التطورات في هذا المجال يعتبر من المحفزات الأساسية للمشاركة في أي برنامج تكويني خاصة في ظل تحديات العولمة.
ورغم كل ما ذكر فإن المحامي لا يعاد له الاعتبار ما لم يتقيد في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة. وهذه أمور مرتبطة بالوسط التربوي الذي تربى فيه الشخص منذ نشأته ويصعب تلقينها. ليبقى الردع هو المقابل للإخلال بما ذكر.
*أكتوبر 2018 تحيين 26/07/2022 محام بهيئة مراكش