لم تعد هناك شعوب منتصرة وأخرى مهزومة ، بل هناك شعوب منتصرة فقط بما قدَّم أبناؤها لذويهم وللعالم من مُنجزٍ حضاري ، وما زلنا نمارس التمييز ضد من يشاركوننا الأرض الواحدة ، والسماء الواحدة ، واللغة الواحدة ، لكنهم – فقط – يختلفون في الديانة ، كأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يقل إن : ” . . لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم “، وفي عهده أيضًا قال أيضا لأهل نجران : ” . .. ولا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته ، ولا كاهن من كهانته ، وليس عليه دنية (أى لا يعامل معاملة الضعيف )” ، وَلا يُغَيَّرَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ ، وَلا سُلْطَانِهِمْ وَلا شَيْءٍ مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مَا نَصَحُوا وَأَصْلَحُوا فِيمَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقِلِينَ بِظُلْمٍ وَلا ظَالِمِينَ ” .
ألم يدرس حنين بن إسحق على يد الخليل بن أحمد الفراهيدي، وكذلك تتلمذ يحيى بن عُدي على يد الفارابي ، ودرس ثابت بن قرة على يد محمد بن موسى ، إضافةً إلى مئات الأمثلة الأخرى مع أسماء مهمة في تاريخ الإسلام .
ألم يقل الخليفة الأول أبو بكر حين تولى الخلافة ( 11 – 13 هجرية ) في خطبته الشهيرة : ( … وَإِنَّ أَقْوَاكُمْ عِنْدِي الضَّعِيفُ حَتَّى آخُذَ لَهُ بِحَقِّهِ ، وَإِنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي الْقَوِيُّ حَتَّى آخُذَ مِنْهُ الْحَقَّ ،… ) .
وألم يقل عمر بن الخطاب الخليفة الثاني ” والله لئن جاءتِ الأعاجمُ بالأعمالِ وجئنا بغير عملٍ فَهُمْ أولي بمحمدٍ منَّا يوم القيامة، فلا ينظرُ رجلٌ الي القرابة.. فإنَّ مَن قصَّرَ به عملُه؛ لا يُسرِعُ به نَسَبُه “.
وكان علي بن أبي طالب ” لا يُفضِّل شريفًا على مشرُوفٍ ولا عربيًّا على عجميٍّ ، ولا يصانع الرؤساء وأمراء القبائل ، كما يصنع الملوك ، ولا يستميل أحدًا إلى نفسه … “ .
ولأن زمن نشأة الدول مضى منذ ألف سنةٍ على الأقل ، فلم يعد من المقبول تغليب فئةٍ على أخرى ، لمجرد اختلاف العرِق أو الدين ، كما أن سياسة الإذلال لم يعد لها مكانٌ تحت الشمس ، ومن ثم لا يستوجب الآخر النفي والإقصاء والحذف والنبذ والرفض والتهميش من المشهد أو الصورة الكلية للدولة .
وبعد كل ذلك يأتي البعض من المتسلِّفين الجهلاء ، ويصفون من ليس على دينهم ب ” الأقلية المعتدية المجرمة ” و”إخواننا النصارى الكفَّار ” والأوصاف أكثر من أن تحصى ، تلك التي وردت في كتابات ، وعلى ألسن هؤلاء ، الذين يصف بعضهم من يقف إلى جوار المختلف دينيًّا ” بأهل النفاق والزندقة ” ، وهؤلاء ” الإخوان النصارى ” لم يعودوا شعبا مغلوبا، وليس من بينهم واحد مولى لأحد ، بل هم أصحاب بيت وأرض ، نتقاسم معهم الماء والهواء والتراب ، وعلى الرغم من أن نصوص الإسلام واضحة في مسألة النظر إلى الآخر فيبدو أن ” شعب المتسلفين ” لم تصل إليه هذه النصوص ، أو أنها وصلت إليه ولم يفقهها أو يستوعبها ، إذ ما زالت النظرة عندهم عدائية واستنقاصية ، سلبية ، تخالف تعاليم الإسلام وقيمه الأخلاقية والحضارية ، وللأسف أن هذه النظرة ، تصدر عمن ينسبون أنفسهم إلى الدين ، ولا تصدر من بقية شرائح وفئات المجتمع .