إذا كان الجهلاء يتصورون أنهم سيمرُّون من ثُقب الإبرة في مجتمعٍ لم يعد يُعطي أهميةً للمعرفة والعلم ، وصار يُنصت إلى الخرافات والشعوذة ، فهم ينسوْنَ أن ” الله يستهزىء بهم ” سورة البقرة – 15 .
فالجاهل مخادعٌ ، وليس صاحب سلوكٍ يتسم بالحكمة ، لأنه بعيدٌ عنها في قوله وفعله ، ومخاصمٌ للمعرفة . ومنذ قول موسى لربِّه ” أعوذُ بالله من أن أكونَ من الجاهلين ” البقرة 67 ، والإنسان العاقل الساعي إلى المعرفة يخشى أن يُوضعَ في مرتبة الجهل ، وأن يُصنَّف مع الجاهلين ، لإدراكه أن الجهل مذمُومٌ ، ولا يأتي من بابه الضيِّق خيرٌ أبدًا ، والجهل مذمُومٌ في القرآن والسنة ، وفي كل الكتب المقدسة وغير المقدسة ، وفي ما ترك الأسلاف لنا من آثارٍ ، وقد ذمَّه الله سبحانه وتعالى : ” إنكم قومٌ تجهلون ” الأعراف 138 ، و ” ولكنِّي أراكم قومًا تجهلون ” هود 29 ، و ” بل أنتم قومٌ تجهلون ” النمل 55 ، وآيات أخرى كثيرة كلها تذم الجهل ، لأن القرآن يحثُّ دومًا على المعرفة والعلم والنور الذي يحملُ الإنسان إلى الحق ، وإدراك الحقيقة .
لقد عانيتُ كثيرا في حياتي من الذين يربُّون جهلهم ويفرحون بكونه يكبرُ أمام أعينهم ، بل ويمدحونه ، ويُطعمونه كي يتعملق ، وهم لا يعرفون أن ما يحملون هو الباطل ، وأن جهلهم مطلقٌ ، بل عظيمٌ وشنيعٌ . وكنت دوما – وما زلتُ – أردِّدُ ” ألا يجهلن أحدٌ علينا ” ، فهم لا يُبصرون بقلوبهم ولا بعيونهم ، مدمُوغُون بالجهل ، لا يعْقلُون ، ولا يسمعُون ، والله شبَّه هؤلاء بالأنعام والحمير التي تحمل أسفارًا ، وأنهم أمواتٌ يعيشون بين الأحياء ، ويُمثلهم فئةٌ نراهم بيننا يمكن أن نطلق عليهم ” الممثلين المشايخ ” ؛ لأنهم – في الحقيقة – مُجرمُون في ثياب دعاةٍ أو وعاظٍ ، فهم يدركون أنهم جُهَّالٌ ، ولا يعرفون ما الدين القويم الصحيح الوسطي المُعتدل .
فالجُهلاء ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179] ، يسرحون كالدواب في الصحف والمجلات ، والمنابر ، ووسائل الاتصال المختلفة ، وصفحات التواصل الاجتماعي ، واعتقادهم فاسدٌ علميًّا ومنطقيًّا وفطريًّا ، وهؤلاء لا يطلبون الجدال والمُراجعة ” لا نبتغي الجاهلين ” ؛ لأنهم في حقيقة الأمر يكذبون على أنفسهم .
والجاهل الذي ينعم في الشقاوة مُعرِضٌ ، لا يتدبر أمره ، لأنه – ببساطةٍ – لا يعرف ، ولا يريد أن يجتهد ويسعى إلى المعرفة ، لأن السعي في الأرض معرفةٌ ، وإظهار الإيمان بالشيء كفرٌ بالمعرفة ، فقد يقول الجهلاء ” سمعنا وهم لا يسمعون ” ، والجاهل منافقٌ ، حججه واهيةً ، وبراهينه ضعيفةً ، وهو عدو دائمٌ للحق والحقيقة ، يعيشُ في اللغو لا في اللغة ، ويرى نفسه دائما الأفضل ، ولم يعُد الجاهلُ هو الذي لا يستطيع القراءة والكتابة ، وإنما الذي يُفتي دون علمٍ في الدين والسياسة والأدب والعلم والفن ، وكل شؤُون المعرفة .
وإن كنا نحارب ونكافح في السابق الثلاثي الذي أخَّر الأمة طويلا ، وهو : الجهل والفقر والمرض ، و أضع الجهل في المرتبة الأولى ، حيث ينبغي المعاودةُ لمحاربته ، لأننا بتنا نرى جهلاء كثيرين يكتبون وينشرون ويفتون ، ويقدمون البرامج ، وينصحون الناس ، وهم غير مؤهلين ، ولا يقرؤون كتبا ولا صحفا ، و لديهم اجتراءٌ على الإفتاء وإسداء النصح ، والكلام في الناس دون تسلُّحٍ بمعرفةٍ أو خبرةٍ ، لأنه لا مصيبةَ أعظم من الجهل .
وهؤلاء عندي بدلا عن أن يكونوا جُنودًا للعقل ، صاروا جنودًا للجهل . والرسول ” ص ” قال في الحديث : ” أخوفُ ما أخافُ على أمتي الأئمة المُضلون ” ، لأن التجارة بالأديان كما قال ابن رُشد هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل .
وما نحن فيه من جدلٍ عقيمٍ ، ولغوٍ مستمرٍ ، ونقاشاتٍ فارغةٍ ، إلا وسببها الجهل ؛ لأنه ” لو سكت الجاهلُ ما اختلف الناسُ ” ، وهناك كتابٌ شهيرٌ لأوليفييه حول زمن الدين الذي بلا ثقافة يصف فيه الجهل بالمقدس ، من فرط تمكُّنه من فئةٍ من البشر المُشتغلين بالدين ، أو الذين يلبسون ثيابه ، أو يدَّعون أنهم أبناء الله وحُرَّاس دينه ، وهم جُهلاء بالأصول والفروع ، ولكنهم ” يسيطرون ” بسطوة السلاح ، والتشنُّج ، وعلو الصوت ، والتصادم مع المُعتدلين والوسطيين في ممارساتهم للعقيدة التي يؤمنُون بها .
ونحن في زمنٍ لابد فيه من الإعراض عن الجاهلين ، ومُحاربتهم ، إذْ كلنا في سباقٍ ومنافسةٍ لللانتصار على الجهل ؛ كي لا نصير برابرةً ، أو أصفارًا في كتاب التاريخ .
والجاهل بجهله هو ترسٌ في آلةِ الذي يُحركه ؛ لأنه مُغيَّب العقل والوجدان ، ولذا فهو وسيلةٌ ؛ كي يحقق الجاهل الأكبر منه الذي يُسيطر عليه مآربه الشخصية .
الجحيم – فعلا – هو أن تُصادق جاهلا ، وتنصت إليه ، وتستمع إلى وصاياه ، أو تجعله يتحدث إليك ، وإذا كنا نبحث عن مجتمعٍ تعلو فيه الحريةُ وتسودُ ، فلابد من أن تُشيِّع الجهل إلى قبرٍ دُون شاهدةٍ ، كي لا يستدلَّ أحدٌ على مكانه . وليت أهل العلم والمعرفة لا يسكتون على جاهلٍ يُفتي بالباطل ؛ لأن الجهلاء يتصورُون – مع تكرار السُّكوت – أنهم أئمةُ المعرفة ، وأصحاب الحق ، ومالكو الحقيقة ، وسادة اليقين ، وعلى صوابٍ دائما .
ومن يبتغي أو يسعى إلى حقيقة الله ، عليه أولا أن يتزوَّد بالعلم والمعرفة ، لأنه لا تقرُّبَ إلى الله عبر جهلٍ أبدًا .
والجهل عندي مرضٌ لابد من مُداواته ، وشفاء المرء منه ، لأنه خطيرٌ على الفرد والأسرة والمجتمع ، ولم يعد الجهلُ فقط نقيضًا للمعرفة ، بل صار مرضًا يقوِّض ويهدم ويشيع الفُرقة والانقسام .
والجاهل دائما متأخرٌ عن البشر ، ساعته معطَّلة عشرات وربما مئات السنين ، يلتذُّ في جهله ، ويربيِّه ، بينما غيرُه يربِّي الأمل ، ويزنُ النُّور في ميزان المعرفة .
عن الذين يُربُّون عضَلات الجهل
أحمد الشَّهاوي
ahmad_shahawy@hotmail.com
إذا كان الجهلاء يتصورون أنهم سيمرُّون من ثُقب الإبرة في مجتمعٍ لم يعد يُعطي أهميةً للمعرفة والعلم ، وصار يُنصت إلى الخرافات والشعوذة ، فهم ينسوْنَ أن ” الله يستهزىء بهم ” سورة البقرة – 15 .
فالجاهل مخادعٌ ، وليس صاحب سلوكٍ يتسم بالحكمة ، لأنه بعيدٌ عنها في قوله وفعله ، ومخاصمٌ للمعرفة . ومنذ قول موسى لربِّه ” أعوذُ بالله من أن أكونَ من الجاهلين ” البقرة 67 ، والإنسان العاقل الساعي إلى المعرفة يخشى أن يُوضعَ في مرتبة الجهل ، وأن يُصنَّف مع الجاهلين ، لإدراكه أن الجهل مذمُومٌ ، ولا يأتي من بابه الضيِّق خيرٌ أبدًا ، والجهل مذمُومٌ في القرآن والسنة ، وفي كل الكتب المقدسة وغير المقدسة ، وفي ما ترك الأسلاف لنا من آثارٍ ، وقد ذمَّه الله سبحانه وتعالى : ” إنكم قومٌ تجهلون ” الأعراف 138 ، و ” ولكنِّي أراكم قومًا تجهلون ” هود 29 ، و ” بل أنتم قومٌ تجهلون ” النمل 55 ، وآيات أخرى كثيرة كلها تذم الجهل ، لأن القرآن يحثُّ دومًا على المعرفة والعلم والنور الذي يحملُ الإنسان إلى الحق ، وإدراك الحقيقة .
لقد عانيتُ كثيرا في حياتي من الذين يربُّون جهلهم ويفرحون بكونه يكبرُ أمام أعينهم ، بل ويمدحونه ، ويُطعمونه كي يتعملق ، وهم لا يعرفون أن ما يحملون هو الباطل ، وأن جهلهم مطلقٌ ، بل عظيمٌ وشنيعٌ . وكنت دوما – وما زلتُ – أردِّدُ ” ألا يجهلن أحدٌ علينا ” ، فهم لا يُبصرون بقلوبهم ولا بعيونهم ، مدمُوغُون بالجهل ، لا يعْقلُون ، ولا يسمعُون ، والله شبَّه هؤلاء بالأنعام والحمير التي تحمل أسفارًا ، وأنهم أمواتٌ يعيشون بين الأحياء ، ويُمثلهم فئةٌ نراهم بيننا يمكن أن نطلق عليهم ” الممثلين المشايخ ” ؛ لأنهم – في الحقيقة – مُجرمُون في ثياب دعاةٍ أو وعاظٍ ، فهم يدركون أنهم جُهَّالٌ ، ولا يعرفون ما الدين القويم الصحيح الوسطي المُعتدل .
فالجُهلاء ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الأعراف: 179] ، يسرحون كالدواب في الصحف والمجلات ، والمنابر ، ووسائل الاتصال المختلفة ، وصفحات التواصل الاجتماعي ، واعتقادهم فاسدٌ علميًّا ومنطقيًّا وفطريًّا ، وهؤلاء لا يطلبون الجدال والمُراجعة ” لا نبتغي الجاهلين ” ؛ لأنهم في حقيقة الأمر يكذبون على أنفسهم .
والجاهل الذي ينعم في الشقاوة مُعرِضٌ ، لا يتدبر أمره ، لأنه – ببساطةٍ – لا يعرف ، ولا يريد أن يجتهد ويسعى إلى المعرفة ، لأن السعي في الأرض معرفةٌ ، وإظهار الإيمان بالشيء كفرٌ بالمعرفة ، فقد يقول الجهلاء ” سمعنا وهم لا يسمعون ” ، والجاهل منافقٌ ، حججه واهيةً ، وبراهينه ضعيفةً ، وهو عدو دائمٌ للحق والحقيقة ، يعيشُ في اللغو لا في اللغة ، ويرى نفسه دائما الأفضل ، ولم يعُد الجاهلُ هو الذي لا يستطيع القراءة والكتابة ، وإنما الذي يُفتي دون علمٍ في الدين والسياسة والأدب والعلم والفن ، وكل شؤُون المعرفة .
وإن كنا نحارب ونكافح في السابق الثلاثي الذي أخَّر الأمة طويلا ، وهو : الجهل والفقر والمرض ، و أضع الجهل في المرتبة الأولى ، حيث ينبغي المعاودةُ لمحاربته ، لأننا بتنا نرى جهلاء كثيرين يكتبون وينشرون ويفتون ، ويقدمون البرامج ، وينصحون الناس ، وهم غير مؤهلين ، ولا يقرؤون كتبا ولا صحفا ، و لديهم اجتراءٌ على الإفتاء وإسداء النصح ، والكلام في الناس دون تسلُّحٍ بمعرفةٍ أو خبرةٍ ، لأنه لا مصيبةَ أعظم من الجهل .
وهؤلاء عندي بدلا عن أن يكونوا جُنودًا للعقل ، صاروا جنودًا للجهل . والرسول ” ص ” قال في الحديث : ” أخوفُ ما أخافُ على أمتي الأئمة المُضلون ” ، لأن التجارة بالأديان كما قال ابن رُشد هي التجارة الرائجة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل .
وما نحن فيه من جدلٍ عقيمٍ ، ولغوٍ مستمرٍ ، ونقاشاتٍ فارغةٍ ، إلا وسببها الجهل ؛ لأنه ” لو سكت الجاهلُ ما اختلف الناسُ ” ، وهناك كتابٌ شهيرٌ لأوليفييه حول زمن الدين الذي بلا ثقافة يصف فيه الجهل بالمقدس ، من فرط تمكُّنه من فئةٍ من البشر المُشتغلين بالدين ، أو الذين يلبسون ثيابه ، أو يدَّعون أنهم أبناء الله وحُرَّاس دينه ، وهم جُهلاء بالأصول والفروع ، ولكنهم ” يسيطرون ” بسطوة السلاح ، والتشنُّج ، وعلو الصوت ، والتصادم مع المُعتدلين والوسطيين في ممارساتهم للعقيدة التي يؤمنُون بها .
ونحن في زمنٍ لابد فيه من الإعراض عن الجاهلين ، ومُحاربتهم ، إذْ كلنا في سباقٍ ومنافسةٍ لللانتصار على الجهل ؛ كي لا نصير برابرةً ، أو أصفارًا في كتاب التاريخ .
والجاهل بجهله هو ترسٌ في آلةِ الذي يُحركه ؛ لأنه مُغيَّب العقل والوجدان ، ولذا فهو وسيلةٌ ؛ كي يحقق الجاهل الأكبر منه الذي يُسيطر عليه مآربه الشخصية .
الجحيم – فعلا – هو أن تُصادق جاهلا ، وتنصت إليه ، وتستمع إلى وصاياه ، أو تجعله يتحدث إليك ، وإذا كنا نبحث عن مجتمعٍ تعلو فيه الحريةُ وتسودُ ، فلابد من أن تُشيِّع الجهل إلى قبرٍ دُون شاهدةٍ ، كي لا يستدلَّ أحدٌ على مكانه . وليت أهل العلم والمعرفة لا يسكتون على جاهلٍ يُفتي بالباطل ؛ لأن الجهلاء يتصورُون – مع تكرار السُّكوت – أنهم أئمةُ المعرفة ، وأصحاب الحق ، ومالكو الحقيقة ، وسادة اليقين ، وعلى صوابٍ دائما .
ومن يبتغي أو يسعى إلى حقيقة الله ، عليه أولا أن يتزوَّد بالعلم والمعرفة ، لأنه لا تقرُّبَ إلى الله عبر جهلٍ أبدًا .
والجهل عندي مرضٌ لابد من مُداواته ، وشفاء المرء منه ، لأنه خطيرٌ على الفرد والأسرة والمجتمع ، ولم يعد الجهلُ فقط نقيضًا للمعرفة ، بل صار مرضًا يقوِّض ويهدم ويشيع الفُرقة والانقسام .
والجاهل دائما متأخرٌ عن البشر ، ساعته معطَّلة عشرات وربما مئات السنين ، يلتذُّ في جهله ، ويربيِّه ، بينما غيرُه يربِّي الأمل ، ويزنُ النُّور في ميزان المعرفة .
*ahmad_shahawy@hotmail.com