في اجتماع اللجنة المشتركة المغربية الإسبانية، والذي اختتمت أشغاله مؤخرا بالرباط، تم توقيع عدد غير مسبوق من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بلغت 19 ، همت جل المجالات الحيوية والاستراتيجية، وذلك في إطار تنزيل بنوذ التعاون الثنائي بين البلدين في سياق تفعيل التصور الجديد للعلاقات بين حكومة إسبانيا والمغرب.
وإذا كانت القمة منتظرة منذ أشهر،بعد عودة الدفء للعلاقات بين البلدين، وتجاوز عقبة الأزمة السابقة التي خلفها التقارب بين اسبانيا وجماعات البوليساريو، وبعد مراجعة إسبانيا لمواقفها في قضية الوحدة الترابية للمغرب، وتأكيدها على مساندة المبادرة المغربية ومشروع الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية، فإن القمة الجديدة تعتبر محطة مفصلية في العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الجارين.
كما أنها تأتي في سياق مناخ سياسي إقليمي متقلب، تحكمه توثرات في العلاقات بين أهم دول ومكونات الجغرافيا السياسية بشمال غرب أفريقيا وحوض المتوسط. وهنا، لا يمكن قراءة نتائج هذه القمة إلا على ضوء ذات السياق وذات التوثرات الإقليمية، ومن أبرزها :
العلاقات المقطوعة بين الجزائر والمغرب، وشبه قطيعة بين المغرب وتونس، وتردد فرنسا بين المغرب والجزائر، وتيهانها في المجال الجيوسياسي الإفريقي، وتقرب إيران من الجزائر وموريتانبا ومحاولة التسلل إلى المنطقة منذ مدة، وهشاشة الوضع الأمني بمنطقة الساحل وجنوب الجزائر وشمال موريتانيا ..
هذه كلها وضعيات وتحولات تؤثر وتتأثر بالضرورة بكل تقارب بين دول المنطقة، وبالتالي ستتأثر بمدى ومستوى وثقل كل تحول إيجابي واستراتيجي بين المغرب وإسبانيا. مع الإشارة إلى أن عصب الأزمة بين المغرب والجزائر هو ملف الصحراء المغربية، وأن الصحراء كانت مستعمرة إسبانية، وإسبانيا تعد شريكا لفرنسا ولباقي الدول المعنية، في كل العمليات التي طبعت مرحلة الاستعمار وما تلاها في المنطقة من تحولات، مع مراعاة الفرق الهيكلي والبنيوي بين الاستعمارين الفرنسي والاسباني.
وهنا، يمكن أن نطرح بعض السيناريوهات ومسارات التحول المحتملة بالمنطقة، على ضوء مستجدات وأفق التقارب الاستراتيجي بين المغرب وإسبانيا:
– لن تكون فرنسا في وضعية مريحة، وهي ترى التقارب في المصالح بين المغرب وإسبانيا، وخصوصا أنها بدأت تغار على مصالحها في إفريقيا بعد تموقع المغرب في العديد من الدول الذي كانت تعتبرها فرنسا مواقعا إقليمية وتقليدية وحدائقا خلفية لها ، وتوجسها سيزيد إذا لمست أن المغرب قد يستعين بإسبانيا، أو قد يمهد لها الطريق كي تكون شريكا له في الاستثمار في جنوب الصحراء والدول الحليفة له بالعمق الافريقي.
– ستزداد أزمة وعزلة جماعات البوليساريو بعد حسم اسبانيا لموقفها، وإمكانية حسم مواقف دول أخرى مؤثرة كما وقع مع الولايات المتحدة وألمانيا.
– ستجد فرنسا نفسها في حرج، وهي المستمرة في توطيد العلاقات مع الجزائر، بعد التقارب بين إيران والجزائر على حساب المغرب والدول الحليفة له كدول الخليج ومصر واسرائيل والولايات المتحدة.
– ستتعقد المعادلة أكثر بالنسبة لفرنسا والجزائر، إقليميا، إذا استمرت إيران في التقرب إلى موريتانيا وجماعات البوليساريو، وسيجد المغرب متنفسا سياسيا واستراتيجيا جديدا بعد التحاق إسبانيا كحليف استرايجي، وإمكانيات التنسيق بينهما .
– قد يكون المغرب متحكما، وفي وضعية مريحة للتفاوض، في ملف الهجرة إلى أوروبا ، إذا وحد مواقفه مع إسبانيا، باعتبارهما نقطي عبور مؤثرة وأساسية في خريطة الهجرة من وإلى أوروبا .
– سيكون المغرب في وضعية أفضل للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي بعد التوافق مع إسبانيا، بحكم التقاطع بينها وبين المغرب في المصالح، وفي الموارد ، وفي والمنتجات .
– قد يشكل المغرب وإسبانيا محورا استرايجيا جديدا، إذا تمكن المغرب من حسم التنافسية في مجموعة من الأوراش التنموية والاستثمارية في دول أفريقيا.
هذا، ويمكن القول أن كل تقارب محتمل بين المغرب ودول أخرى مؤثرة في التحول الإقليمي والجيو استراتيجي في المنطقة كما تم مع إسبانيا، قد يقرب من حسم مواقف دول أخرى مؤثرة كفرنسا، وقد يزيد من عزلة جماعات البوليساريو ، وقد يدفع الجزائر إلى الرضوخ إلى حكمة التاريخ، ومنطق المنتظم الدولي، وأولوية المصالح المشتركة في المنطقة. وهي المنطقة التي تعد موقعا استراتيجيا وبحساسية محددة للاستقرار بمنطقة حوض المتوسط، ولا تحتمل المزيد من المغامرات .