لم يكن متوقعا أن تتدهور العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر بهذه السرعة،وبأن شهر العسل الذي دام بالكاد سنة واحدة أنتهى كما بدأ، على واقعة سحب الجزائر لسفيرها بباريس من أجل التشاور .
الأزمة هذه المرة كانت – حسب تصريحات السلطات والمسؤولين الجزائريين – بسبب إقدام فرنسا على ترحيل الناشطة الحقوقية الجزائرية/ الفرنسية المعارضة أمينة بواري من تونس العاصمة إلى فرنسا ، بعد أن تم إدخالها إلى تونس عبر الحدود الجزائرية،وهو الأمر الذي اعتبرته الجزائر انتهاكا لسيادتها الوطنية.
في حين أن فرنسا فضلت رسميا عدم الخوض في تفاصيل الموضوع . ووفق ذات المعطى،فالعلاقات بين الجزائر وفرنسا عادت مرة أخرى إلى نقطة الصفر، والحادثة بعثرت في وقت قياسي كل أوراق وملفات الشراكات والاتفاقيات والصفقات التي وقعت بين البلدين مؤخراً.و سيعاد النظر حتما في كل تفاصيل المجاملة و الود المعلن بينهما إثر زيارة ماكرون للجزائر.
كما بات من الصعب تتمة الإعداد والتحضير لزيارة تبون لباريس في شهر ماي المقبل. وفي نفس السياق ،لا يمكن قراءة مستوى وطبيعة العلاقات بين فرنسا والجزائر دون استحضار تأثيرها جيوسياسيا على دول المنطقة المغاربية وشمال إفريقيا.مع الإشارة أن الجزائر راهنت كثيرا على تحسين علاقاتها مع فرنسا للرفع مع منسوب المناوشات والتحرش بالمغرب، ومحاولة عرقلة كل تسوية ممكنة وذات مصداقية لملف الصحراء المغربية ،وتهديد الوحدة الترابية للمملكة. هذا مع الإشارة أن تونس تعد بدورها عنصرا أساسيا في الأزمة الجديدة بين فرنسا والجزائر،باعتبار أن أمينة بواري تم ترحيلها مباشرة من سفارة فرنسا بتونس بعد أن تم إدخالها إلى تونس عبر الحدود الجزائرية التونسية، وهو ما يعني أن تونس كانت طرفا في القضية، وأنها رضخت لضغوط فرنسا متنكرة للجزائر ، رغم أنها كانت قد سايرتها في التقارب والتقرب من انفصاليي البوليساريو ضدا في المغرب ومصالحه الاستراتيجية.
وحتى وإن لم تعلن الجزائر بعد موقفها من تونس ومدى تورطها في ترحيل الناشطة الحقوقية الجزائرية ،فإن العلاقة بين البلدين مرشحة للتوثر،وهو ما سيزيد من عزلة رئيس تونس قيس سعيد، والذي يعرف نظام حكمه أزمة خانقة، بعد محاولاته المتتالية للانفراد بالسلطة وبكل السلط ،وارتفاع درجة ومستوى الاحتقان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بالبلاد.وحتى إحتمال رهان قيس سعيد على دعم فرنسا له لن يكون مضمونا، نظرا لتردد وضعف أداء فرنسا الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري مؤخرا ، في إفريقيا عموما، وبشمالها وبمنطقة الساحل والمنطقة المغاربية على الخصوص.
وحتى تكتمل كل عناصر ومكونات المعادلة الإقليمية بعد الأزمة الجديدة بين فرنسا والجزائر ،يعود المغرب كعنصر أساس في المعادلة ،وذلك بحكم موقعه المحوري ،وارتباطا بموقفه الحاسم في اعتبار قضية الصحراء والوحدة الترابية للمملكة أساسية ومحددة لقياس مستوى كل علاقة استراتيجة محتملة مع الدول المؤثرة في المنطقة، ومن بينها فرنسا. مع التذكير بالتقارب الكبير مؤخرا مع إسبانيا ، وهو ما سيصعب وضعية ومهمة دبلوماسية فرنسا بسبب موقفها المتردد علنا بين المغرب والجزائر. وقد يزداد حاليا ضغط الدبلوماسية المغربية النشيطة عليها لدفعها لإعادة حساباتها من جديد على ضوء الواقع الجديد ، وإعلان موقف صريح ومتقدم من ملف الصحراء ، والحد من التحرشات التي ما فتئت تقوم بها لوبيات فرنسية معادية للمغرب مؤخرا ، كما هو الشأن بالبرلمان الأوروبي .
وكاستنتاج أولي ،وعلى واقع وضوء الأزمة الجديدة بين فرنسا والجزائر ،فمنطق المصالح الفرنسية في المنطقة ،وفي سياق موازين القوى المتحول باستمرار،قد يفرض على فرنسا التودد والتقرب من جديد للمغرب. كما أن المزاجية التي تطبع الدبلوماسية والسياسة الجزائرية ستصعب من مهمة حكام الجزائر لتدبير العلاقات مع فرنسا وفق التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، في المدى القريب على الأقل.