صرح مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي الجهوي بالشرق وعضو المجلس العلمي الأعلى، خلال ندوة بالدار البيضاء حول مدونة الأسرة، بأن من ينادي بالحريات الفردية “لا يقرأ” لأن أصلها عادات المجوس مثل “المزدكية” و”البابكية”.
ولست أدري من غرر بالفقيه ـ الذي لا يقرأ ـ وأوقعه في ثلاثة أخطاء:
ـ الخطأ الأول هو الخلط بين مدونة الأسرة والقانون الجنائي، حيث أن موضوع العلاقات الرضائية يُطرح في سياق مناقشة القانون الجنائي وليس مدونة الأسرة، لأنه يتعلق بالحريات الفردية، وبالعلاقات الجنسية بين طرفين تقع خارج الأسرة والزواج، والذين يقحمونه في موضوع المدونة يفعلون ذلك من أجل التشويش على المطالب العادلة للنساء والأطفال.
ـ أن ما ذكره حول الديانات والثقافات الفارسية القديمة مثل “المزدكية” لا علاقة له مطلقا بالعلاقات الرضائية بمفهومها الحقوقي، بل يتعلق الأمر بظاهرة “الجنس الجماعي” الذي هو ممارسة الجنس بين أكثر من طرفين اثنين، وهي ممارسة جنسية شاذة ما زالت متواجدة في سلوكات البشر وتمارس بالمغرب في فضاءات خصوصية جدا ومحدودة سواء لدى فئات اجتماعية معينة أو لدى بعض الفرق الصوفية وبعض الزوايا، وهناك دراسات كثيرة حول هذه الظاهرة قام بها علماء نفس من مختلف بلدان العالمن ولا احد يخلط بينها وبين “العلاقات الرضائية”.
ـ أن حديثه عن العلاقات المشاعية القديمة والتفسير الماركسي لأصل العائلة وربط ذلك بالعلاقات الرضائية كما نناقشها اليوم هو خلط ظاهر يدلّ على عدم إلمام بالموضوع الذي يخوض فيه، لأنه لاعلاقة بين الأمرين لا من قرب أو بعيد كما سنوضح.
وحتى لا يعود بنحمزة إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء المعرفية، نشير إلى أن العلاقات الرضائية لا يمكن فهمها إلا في إطار المرجعية الحقوقية التي يتبناها الدستور المغربي “كما هي متعارف عليها دوليا”، وباعتبارها “كلا غير قابل للتجزيء” وكذلك باعتبارها “أسمى من التشريعات الوطنية”، وبذلك تكون “العلاقات الرضائية” محدّدة على الشكل التالي:
ـ أنها تدخل ضمن الحريات الفردية التي تقوم على الاعتراف بوجود الفرد المستقل، وبحقه في اختيار نمط حياته الخاصة دون إلحاق الأذى بالغير أو المسّ بحريات الآخرين.
ـ أنها علاقة جنسية طبيعية تتم بين طرفين من جنسين مختلفين أو من نفس الجنس في حالة العلاقة المثلية.
ـ أنها علاقة تقوم على التراضي والقبول بين طرفين عاقلين ومسؤولين، ولهذا يشترط فيها أن تخلو من العنف أو الخداع والنصب والتحايل أو السلطة واستغلال النفوذ، أو من كل أشكال الإكراه والتسلط.
ـ أن العلاقة الرضائية مرتبطة بالمسؤولية في عدم الخروج إلى الفضاء العام، حيث تتم في فضاء خاص مغلق لا تتدخل فيه الدولة أو أية سلطة رقابية أخرى، إذ يحمي الدستور الحياة الخاصة للمواطنين.
بعد أن أوضحنا الخلط الذي وقع فيه الفقيه، لابد أن نشير إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يمارس فيها بنحمزة التهويل والتحريف للمطالب الحقوقية، حيث يعمد أولا إلى تحريف الأفكار والمطالب وبعد ذلك يشرع في نقدها، حتى يوهم جمهوره بفداحة وقبح ما يطالب به غيره، ومن ذلك قوله في نفس الندوة بأن المطالبين بمراجعة المدونة يهدفون إلى إحداث “الفوضى” حتى “يتزوج الشخص بأمه أو أخته”، وهذا التصريح ليس بحاجة إلى تعليق لأنه من المضحكات التي تُعرّض صاحبها للسخرية.إن الحوار الوطني حول مدونة الأسرة بحاجة إلى ترشيد وتعميق عبر النقاش الهادئ والنزيه، وإبعاد نظرية المؤامرة وتجنب استعمال الإشاعة والتهديد والترهيب، حتى يكون الناس على بينة من الموضوع، وان التشويش الذي يعمد إليه بعض المحسوبين على التيار الديني المتشدد يعكسون قدرا كبيرا من الضعف في مواقفهم عندما يضطرون إلى استعمال أساليب غير شريفة خلال النقاش والتبادل.