لسنا بحاجة إلى توضيح أن مساعي الجزائر في تنظيم قمة عربية لم يكن من أجل من أسمتهم “العرب” ولا من أجل “لم شملهم”، لأنها أول من يعمل على عكس ذلك، كان الهدف واضحا منذ البداية، وظهر أكثر من خلال جعل القمة تنعقد يوم عيد وطني بالجزائر، حيث استُعمل الحدث بإسراف لأغراض داخلية محض إيديولوجية، وهو ما أشارت إليه صحافة العديد من بلدان الشرق الأوسط على الخصوص.
ويمكن القول بوجود سببين حقيقيين لتنظيم هذه القمة: السبب الأول هو مشكل شرعية النظام العسكري الجزائري التي ظلت محاطة بهالة من التشكيك رغم طمس الحراك الشعبي الذي طالب بدولة مدنية وبمغادرة الوجوه العسكرية، والسبب الثاني هو شعور النظام المذكور بتراجع أدوار الجزائر إقليميا ودوليا، في ظل تغيّر الكثير من موازين القوى المحيطة والتي من أهمها بروز الدور المغربي خاصة بعد الاتفاقية الثلاثية التي كان من نتائجها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وكذا انتزاع اعتراف ثمين من إسبانيا، دون الحديث عن الدور الاقتصادي الذي أصبح يلعبه المغرب سواء في علاقته بإفريقيا أو الاتحاد الأوروبي، والقائم على الشراكات الكبرى ومنطق رابح رابح، الذي يُهدد مستقبل الجزائر المعتمدة في اقتصادها حتى الآن على ريع الثروات الطبيعية الآيلة للزوال.
قراءة سريعة في البيان الختامي للقمة يُبرز بوضوح ما يلي:
ـ أن الإنشاء والأساليب البلاغية العامة المعتادة في مثل هذه القمم، والتي لا تعني في معظمها أي شيء محدّد، قد هيمنت كالعادة على حساب التدابير الملموسة.
ـ أن وضع القضية الفلسطينية في الصدارة بدون الخروج بأية تدابير حقيقية لحلّ هذه القضية، سوى إنشاء اللجان العديمة الجدوى والتذكير بمبادرات سابقة لم تعد سارية المفعول، هو نوع من المتاجرة السياسية بالقضية بدون تحقيق أية مردودية لصالح الشعب الفلسطيني. حيث صار من الواضح أن الخطوة الجزائرية ما هي إلا ردّ فعل باهت على اتفاقية المغرب مع أمريكا وإسرائيل. ويعلمُ الجميع أن “المصَالحة” المزعومة التي تمت في الجزائر بين القوى الفلسطينية هي مجرد توافق هش لن تكون له أية مردُودية ميدانية مباشرة كما حدث في اتفاقات سابقة قادتها أطراف أخرى من قبل.
ـ أن الحديث عن كل أزمات وقضايا من سُمّوا بـ”العرب” في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وليبيا، بل وحتى عن “حلّ سياسي بين جيبوتي وإريتيريا فيما يتعلق بالخلاف الحدودي”، وكذا عن “أسس احترام قواعد حسن الجوار والثقة والتعاون المثمر والالتزام المتبادل” دون التطرق لمشكلة المغرب والجزائر (الحدود المغلقة والعلاقات المقطوعة) هو ضرب من العبث السريالي الذي لا طائل من ورائه، لأنه لا يمكن أن تقوم الجزائر بـ “لم شمل” بلدان أخرى واحترام حسن الجوار فيما بينها، وهي تسعى إلى تقسيم البلد الأقرب إليها.
ـ أن السكوت عن تحالف الجزائر مع إيران التي تشنّ حربا على عدة واجهات مع بلدان الخليج والتي دخلت الآن إلى شمال إفريقيا، يعكس انعدام أية إرادة حقيقية لـ”جمع الشمل”.
ـ أن سوء المعاملة الذي طبع سلوك السلطات الجزائرية مع الوفد المغربي والذي كان يخلو من أبسط قواعد اللياقة والاحترام، يتناقض كليا مع الأهداف المعلنة لهذه القمة. حيث يبدو أن حضور المغرب في القمة كان مصدر انزعاج للجزائر أكثر مما هو عامل نجاح للمؤتمر.