ـ من يشاهد تزويج الطفلة الصغيرة وفصلها عن الدراسة والتضحية بها بسبب فقر الأسرة، ولا ينفطر قلبه، بينما هو مطمئن على بناته التي وضعهن في أجود المدارس وضمن لهن مقاعد في أرقى الجامعات، هو شخص غير جدير بالثقة وليست فيه ذرة من الإنسانية، لأن الطفلة ستعود بعد عام أو عامين مطلقة بسبب عجزها النفسي والعقلي عن القيام بواجبات الأسرة.
ـ من يشاهد امرأة وهي تناضل لمدة شهور لتضمن لطفلها مقعدا في المدرسة، دون أن تستطيع ذلك، لأن إدارة الدولة تخبرها بأن “الولاية” على الطفل بيد الرجل وليست بيدها. الرجل الذي تخلى عن المرأة والطفل معا وفقد كل مشاعر الأبوة هو “الولي”، والمرأة التي ترتبط بابنها لحظة فلحظة لا ولاية لها، وكل هذا تتم شرعنته باسم السماء، بل المضحك المبكي هو أنه عندما يُصاب الطفل بمكروه، تذهب أموال التأمين للحساب البنكي للأب اللامسؤول لأنه هو “الولي”، من يرى كل هذا ولا يتحرك فيه شيء من أجل المصلحة الفضلى للطفل، فهو جماد لا يمكن الاعتماد عليه في تدبير شؤون الدولة والمجتمع.
ـ من يرى فتيات متفوقات في الدراسة، ثم موظفات في قطاعات حيوية من قطاعات الدولة، أو عاملات ليل نهار في اقتصاد غير مهيكل، تساهمن في إعالة أسرهم واقتناء البيت والأثاث، لتجدن أنفسهن في الشارع بعد ذلك بسبب مصيبة إسمها “التعصيب”، ولا يتألم لهذا الواقع البئيس الذي ترعاه قوانين خرقاء، فهو بلا شك قليل المروءة وعديم الضمير.
ـ من يعتبر أن “الذكر” أهم من “الأنثى” وأفضل، فقط لأن له عضو ذكري، يجعل مهمة المرأة أن تخدمه وتطيعه مهما تفوقت عليه عقلا وحكمة وعملا وإنتاجا، فهو لا شك جاهل بمفهوم الذكورة ذاته الذي انقلب رأسا على عقب، كما أنه لا يعرف معنى الأنوثة نفسها التي لم تعُد في عصرنا لعنة تلاحق النساء، بل خاصية لفرد مستقل، إنسانة مواطنة لها الحق في تقرير مصيرها واختيار ما فيه مصلحتها.
ـ من يعتبر الإجهاض “حراما” ثم يتهرب بعد ذلك من التكفل بالطفل الناشئ الذي يعتبره “ابن زنى” هو شخص بلا رحمة، لأنه يصنع مآسي آلاف الأطفال الذين تغلق عليهم الدولة أبوابها وتجعل حياتهم جحيما. إنه يدافع عن حياة نطفة بلا هوية، ثم يتهرب من المولود عندما يصبح إنسانا حيا بلا حقوق.
ـ من يعلم بأن المرأة ضحت بحياتها في ثلاثة عقود أو أكثر من الزواج، قامت خلالها بكل الأعمال الشاقة داخل البيت وخارجه، ثم تتم مطالبتها عند الطلاق بإثبات أنها “ساهمت” في ثروة العائلة بالوثائق والحُجج الإدارية حتى تأخذ حقها من الأموال المكتسبة، ثم لا يثور على عقلية لا ترحم وتجهل قيمة العمل وقيمة الإنسان، فهو بلا شك متواطئ مُجرد من فضيلة النزاهة.
ـ أخيرا، الفقه فقه الرجال، والنساء ضحاياهم، لأن الرجال صاغوا كل كلمة على مقاسهم، ولا حلّ إلا بالخروج من قلعة الفقه القديم، وبناء قوانين مدنية للمرأة بوصفها إنسانا مواطنا.
كل عام والمرأة المغربية بكرامة وبألف خير !