(كش بريس/خاص) ـ قال رئيس الحكومة عزيز أخنوش، أن الحكومة واعية برهانات التعليم العالي وتعمل على معالجة مختلف الإشكاليات التي يعاني منها القطاع، من أجل بناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية، وذلك انسجاما مع التوجيهات الملكية السامية.
وأكد أن من شأن هذه المنطلقات الملكية السديدة أن تحدد طريق عمل الحكومة، لاسيما فيما يتعلق باسترجاع جاذبية نظامنا التعليمي وجعله النواة الصلبة للنهوض بواقع الشباب وتقليص نسب البطالة وتعزيز الاندماج في سوق الشغل. بما ينسجم مع أهداف الرؤية الاستراتيجية المحددة في مضامين القانون الإطار 51.17.
وبالنظر لكون الجامعة المغربية توجد في قلب الدينامية التنموية ببلادنا، يضيف أخنوش، فقد أولتها الحكومة عناية خاصة، من خلال مراجعة أهم التحديات التي تطرحها منظومة البحث العلمي والتكوين، وما يستلزمه ذلك من إعادة النظر في مختلف الجوانب التنظيمية والتأطيرية والبشرية المرتبطة بها، مردفا “لكن للأسف لازالت مؤسساتنا الجامعية تحيط بها العديد من مظاهر المحدودية المرتبطة أساسا، بمستوى المردودية ونقص الموارد البشرية ناهيك عن بعض التحديات الاستراتيجية والتنظيمية”.
وعلى سبيل المثال، يضيف أخنوش، بلغت نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم في الفترة الماضية ما يقارب 49%، ثم تسجيل ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعة بنسبة 18,7% في نظام الاستقطاب المفتوح (8,5% في الاستقطاب المغلق)، مع تسجيل نسبة التأطير البيداغوجي أقل من المؤشرات المتعارف عليها عالميا بمعدل أستاذ واحد لحوالي 120 طالب في كليات الاستقطاب المفتوح، وتدني فاعلية الكليات متعددة التخصصات كنموذج منتقد دوليا، بحيث أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين بضرورة مراجعته.
وأيضا، يضيف رئيس الحكومة، تحدي إحالة 2200 من أجود الأطر التدريسية في أفق 2026 إلى التقاعد، ثم انغلاق المنظومة وعدم تماشيها مع أولويات التنمية على المستويين الجهوي والوطني، بالإضافة إلى تدني جودة البحث العلمي، سواء من حيث ضعف الميزانية المخصصة له ( 1,6 % من الميزانية العامة خلال سنتي 2021 و2022 ) أو من حيث عدد الباحثين الذي لا يتجاوز 1708 باحث لكل مليون نسمة.
وشدد رئيس الحكومة على أن الحكومة تعمل على معالجة هذه الإشكاليات ضمن مضامين التصور الاستراتيجي الذي أعدته الحكومة خلال سنتها الأولى، والذي سيحدد الخطوات اللازمة لبناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية.
في السياق نفسه، أشار أخنوش إلى وعي الحكومة برهانات هذا القطاع متعددة الامتدادات، دفعها لاعتماد مقاربة تشاركية واسعة النطاق من أجل تعبئة الذكاء الجماعي، من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية داخل الجامعة والقوى الحية على المستوى الجهوي والإقليمي، بما في ذلك الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني، ضمانا لتسريع اندماج المملكة في مجتمع المعرفة.
وتابع: “وهي مقاربة تشاورية، غير مسبوقة، تم في إطارها تنظيم 13 مناظرة جهوية حرصنا من خلالها على تعزيز ومواكبة عملية البناء المشترك لهذا الإصلاح”، مضيفا أن هذه المناظرات شكلت محطة أساسية لتبادل وجهات النظر وتقاسم الآراء بالإضافة إلى رصد تطلعات الفاعلين على المستوى الجهوي، بغية إرساء نموذج جامعي جديد يكرس الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة المغربية كمنارة للعلم والمعرفة ورافعة للقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دورها في إعداد كفاءات الغد.
وأبرز أن هذه المحطات عرفت تجاوبا كبيرا من لدن الفاعلين، حيث شهدت تعبئة ما يفوق 35.000 مشارك منهم 1350 فاعلا من الجماعات الترابية و580 فاعلا اقتصاديا و650 فاعلا من المجتمع المدني وأكثر من 400 مشارك من الكفاءات المغربية بالخارج.
كما تمخض عن هذه المناظرات، وفق رئيس الحكومة، أزيد من 3000 توصية من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة للقاءات التشاورية، وإبرام 127 اتفاقية شراكة بين الفاعلين على الصعيد الجهوي، تتعلق بالمجالات ذات الأولوية مثل السكن الجامعي، والمنح المخصصة للحركية الوطنية وكذا مسالك التكوين التي تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية.
وأبرز أخنوش في ذات السياق، أن الحكومة عملت منذ توليها المسؤولية على تعبئة وإطلاق سلسلة من المبادرات التي تروم تحسين الحكامة المؤسسية لقطاع التعليم العالي والرفع من نجاعته، وإيجاد الأرضية اللازمة لتثبيت دعائم هذا الإصلاح الجديد، بشكل يلائم كل مكونات وأهداف المنظومة.
إلى ذلك، استحضر أخنوش توقيع الحكومة على اتفاق اجتماعي مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، في إطار تعزيز الحوار الاجتماعي بتاريخ 20 أكتوبر الماضي، يهدف بشكل رئيسي إلى رد الاعتبار لمهنة الأستاذ الباحث وتعزيز جاذبيتها، مع الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج، وضمان ظروف اشتغال أفضل لفائدة هذه الفئة، وتثمين مجهوداتهم في مجالات التدريس والبحث والتأطير، وتقوية مكانة الجامعات وتأهيلها لاستقطاب الكفاءات.
واستعرض أخنوش أهم محاور هذا الاتفاق الاجتماعي، منها تحسين آليات الحكامة عبر مراجعة المنظومة التشريعية للقطاع، فضلا عن وضع نظام أساسي جديد خاص بهيئة الأساتذة الباحثين يكرس الاستحقاق والكفاءة، مع الشروع في تحسين الوضعية المادية لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، ومراجعة نظام التعويضات المخول لها، بالإضافة إلى أجرأة الإصلاح البيداغوجي الشامل مع بداية الموسم الجامعي 2024 -2023، من خلال فتح وتشجيع مسالك تكوين تستجيب لأولويات القطاعات الإنتاجية وخصوصيات المجالات الترابية.
وتثمينا للمجهودات المبذولة في مؤسسات التعليم العالي، أبرز أخنوش أن الحكومة توفقت الحكومة في بلوغ حصيلة مشرفة خلال السنة الأولى، إضافة إلى الرفع التدريجي لميزانية القطاع لتصل سنة 2023 إلى ما يناهز 15 مليار و 215 مليون درهم بارتفاع قدره 8% مقارنة بميزانية سنة 2022، والزيادة في عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع بإحداث 2.349 منصب مالي جديد، ستمكن من تحسين ولوجية الجامعات الوطنية وتعزيز طاقتها الاستيعابية، فضلا عن الرفع من المسالك المعتمدة خاصة الممهننة منها التي بلغت حوالي 54% في الموسم الجامعي المنصرم.
كما أبرز أنه تم رفع عدد الأطر البيداغوجية والأطر الإدارية والتقنية بنسبة 3% لكل منهما، دون إغفال النتائج المحققة على مستوى تحسين جودة الدعم الاجتماعي الموجه لفائدة الطلبة، والتي ساهمت في توسيع هامش التغطية من المنحة الجامعية والسكن الجامعي لتبلغ الخريطة الحالية 23 حيا جامعيا على المستوى الوطني، واستكمال مشاريع أخرى بمجموعة من المدن مع توسيع شبكة المراكز الصحية والرفع من عدد الطلبة المستفيدين من نظام التأمين الصحي الإجباري عن المرض.
كما همت هذه التدابير كذلك، يضيف أخنوش، تعزيز البنية التحتية للبحث العلمي والابتكار، وبالأخص ما يتعلق منها بإرساء نظام معلوماتي شامل ومندمج حول المنظومة، والتي ستساهم في توفير الأمن المعلوماتي.
وتابع أن المخطط الوطني الجديد سيولي أهمية كبرى لتعزيز الإدماج الاجتماعي للطلبة، في انسجام تام مع مبادئ الدولة الاجتماعية التي كرسها البرنامج الحكومي، وذلك من خلال توسيع قاعدة المستفيدين من المنح الجامعية، بحيث ارتفع عدد الطلبة الممنوحين من 385.000 سنة 2021 إلى 401.000 سنة 2022 و421.000 سنة 2023، كما سيعمل المخطط على تطوير عرض السكن الجامعي، عبر تسريع استكمال مشاريع التوسعة بعدة مدن جامعية وتحفيز الشراكة مع القطاع الخاص.
وأكد، في ختام كلمته أن مختلف المجهودات التي بذلها المغرب لبناء جامعة وطنية رائدة في مجال البحث العلمي والابتكار، يعود الفضل فيها بشكل أساسي، بعد التوجيهات المولوية لصاحب الجلالة، إلى التعبئة العالية والأدوار الطلائعية التي تقودها هيئات الأساتذة الباحثين ومجموع الأطر الإدارية والتقنية، التي تسهر جميعا على مواكبة الطلبة في مختلف التخصصات وتوفير الإرشادات العلمية والبيداغوجية اللازمة لهم، لتمكينهم من استكمال مساراتهم الدراسية في أفضل الظروف.