لم يتبقى على موعد الافطار سوى ساعتين، وبعد أن عادت من عملها لدى إحدى الأسر الميسورة، التي تقطن الحي الراقي في المدينة ذات الصيت العالمي. حتى سارعت إلى إعداد وجبة الإفطار التي تميزت بالبساطة .
وببنما هي تعد الحساء الذي يعتبر حجر زاوية في مائدة إفطار اختفت فيها العديد من الماكولات والمقبلات، سرح بها التفكير في ما بعد شهر الصيام ، إنه العيد الذي اقترب موعده، وأطفالها الثلاثة الذين لا يتوقفون عن مطالبتها باقتناء ملابس جديدة احتفالا بعيد الفطر ،لم تكن تملك لهم جوابا يمسح عن عيونهم البريئة جذوة أسئلتهم المتكررة .
ماما ، متى سنذهب لشراء ملابس العيد ؟ ماما ، هذا العيد القادم ، أريدك ان تشتري لي الحذاء الذي كان معروضا عند البائع المجاور للمدرسة ، والذي كنت قد أشرت لك اليه،حينما كنا عائدين منها ذاك اليوم ، بهذا نطق ابنها الاصغر وهو يضمها إليه مستجديا إياها. ليقاطعه أخوه الاوسط منبها أمه إلى أنه لن ينتعل حذاء اخيه الأكبر ، الذي كان قد استغنى عنه ، وكان من أمه أن أجبرته على ارتدائه .
_عليك ياماما ان تشتري لي حذاء جديدا ،لانني حين ساذهب الى المدرسة بعد العيد ، لا بد ان اكون مرتديا فقط ماهو جديد ، مثل رفاقي ، وإلا لضحكوا مني .
نظرت الأم الى صغيريها وهي تربت على كتفيهما :
– سافعل يا أحبتي ،سافعل ،سأقتني لكم ما اشتهيتم ،والان ، دعوني أتمم عملي.
انسحب الاثنان لتتبعهما عيونها المبتلة بدمع زحف ببطئ داخل مٱقيها ، وارته مخافة أن يلمحانه فيأسيا.
– كيف لي ان احقق لكم أحلامكم أحبتي ؟
لقد انهكتني الحياة بمتاعبها اليومية ، مرض الزوج الذي يستدعي علاجه أداء مبلغ شهري للصيدلية التي كان مالكها رحيما بي ،حين سمح لي بدفع أقساط مقابل الأدوية ، أم ثمن كراء البيت الذي نشارك فيه غيرنا من الجيران ، أم هو الارتفاع المهول الاسعار..؟
ظلت تقوم بتحريك الحساء حتى لا يلتصق بقعر الآنية الطينية ، كان رأسها يغلي بكل تلك الأفكار والهواجس … مثلما يغلى هذا الحساء .
بعد انتهاء وجبة الإفطار ، قررت أن تصحب معها صغارها إلى المركز التجاري الجديد ، الكائن في وسط المدينة ، الذي كانت قد سمعت من ربة عملها وهي تتحدث الى صديقة لها ، بأن معروضاته من السلع جيدة ، وذات أثمنة مناسبة .
كانت قبل مغادرة بيتها قد أوصتهم بأن يلتزموا قواعد الادب ، بأن لايحدثوا ضوضاء هناك، لأن مرتاديه من الطبقة الراقية ، وأن عليهم أن لا يظهروا بمظهر سيئ، وإلا لما صحبتهم معها.
أبدى الثلاثة نيتهم بالالتزام التام بما طلب منهم ،فقد كانوا في شوق إلى اقتناء ملابس العيد .
دلفوا عند وصولهم الى المركز الذي كان مبهرا بأنواره وزخرفاته، لكنه، أيضا كان ضنينا على أمثالها بحسن استقبال ، إذ كاد احد القائمين بمهمة الحراسة أن يمنعها من الدخول ، بعد أن تفحصها مليا وأبناءها، وكأن لسان حال يقول :
– هذا الفضاء لا يصلح لأمثالكم ، إلا أنه تراجع عن حقارته ليسمح لهم بالدخول .
توسطت الأم صغارها، الذين بدؤوا رحلة البحث عن ضالتهم، وكانت كلما وقعت عيون أحدهم على قطعة من الملابس (سروال، قميص…)، إلا وانطلق مسرعا اتجاهه، ممسكا بيدها طالبا منها اقتاءها له ،لكنها ،كانت في كل مرة تعده بأنها ستفعل ذلك ، فقط عليه أن يتريث إلى حين أن ينتهوا من معاينة ما يعرض من سلع . فكانوا يدعنون لها وكلهم أمل في تحقق مرادهم ، وهكذا ظلوا ينتقلون من دكان لٱخر، يجرون أرجلهم وقد بدا عليهم التعب .
لا حظت الأم عليهم ذلك ، فأخبرتهم بنيتها في العودة للبيت، على أن يعودوا في يوم لا حق .
لم تكن لتخبرهم أن الأثمنة المعروضة ، لم تكن أبدا مناسبة لها.
تساءلت ، هل تكون هي لم تسمع جيدا ما دار من حديث بين ربة عملها وبين صديقتها ؟
– الأثمنة هنا نارية ، فهي لن تستطيع أبدا حتى لو اشتغلت ليل نهار أن تؤمنها .
ما إن أخبرتهم بنيتها في العودة من حيث أتوا ، بحجة أن الوقت قد تأخر، وأنهم يجب ان يأخدوا حصتهم من النوم ، لأنهم متابعين بالذهاب للمدرسة باكرا ، لم يتحمس أي منهم للفكرة ، بل إن أصغرهم انبطح على الارض وأخد يبكي ويصرخ بشدة ، معلنا أنه لن يعود إلا وثيابه الجديدة معه .
حاولت الأم ثنيه على ذلك ، وهي تشعر بالغضب، والخجل من عيون متطفلة لبعض الزوار .
اقتربت منه ، احتضنته وقبلته، واعدة إياه أنها ستعود بمعيته وإخوته ، بل لم لا الذهاب إلى مركز ٱخر، معروضاته أجمل بكثير مما يوجد هنا .
نهض من على الارض، وشد على يدها، كأنه يعقد معها اتفقا ليس عليها أن تخرقه، مسحت دموعه بمنديل ورقي، وانطلقوا لتبتلعهم ضوضاء المدينة .
عادوا منهكين من فرط السير على أقدامهم، كان النوم يغالبهم، وبينما كانت تعدهم للذهاب إلى فراشهم، لاحظت أن أصغرهم كان يخبئ تحت ملابسه قطعة من ورق إحدى المجلات الإشهارية التي تعرض ملابس جديدة، حيث كان العارضون أطفالا في عمر الزهور .
* كاتبة رأي من اسرة كش بريس