لا زال انتشار الثقافة العسكرية يعرض النساء للاغتصاب في زمن النزاعات المسلحة. ما السبيل إلى حماية النساء من الاغتصاب المعتبر، نتيجة حتمية في زمن الحروب والنزاعات المسلحة؟.
من الثابت أن وضع المرأة أثناء النزاعات المسلحة أخطر من وضع الجندي المحارب في ساحة المعركة، تلك هي العبارة التي لخص بمقتضاها قائد سابق لبعثة الامم المتحدة بالكونغو معاناة المرأة وآلامها ، على اعتبار أنه كان يُنظر إلى العنف ضد النساء والاغتصاب وكأنهما نتيجة حتمية اثناء النزاعات المسلحة.
ولم يكن المقترفون لهذا الفعل يخضعون لأية متابعة، على اعتبار أن النزاعات المسلحة تنتج أجواء وأنماطا سلوكيةعدائية ناجمة عن انتشار ثقافة عسكرية تعرض النساء للاغتصاب أثناء الحرب، أو استخدام المرأة كدروع بشرية، أو جهاذ النكاح ، أو التحرش الجنسي الممنهج سياسيا.
وللإشارة فقد اغتصبت 500000 امرأة أثناء النزاع في رواندا في بداية 1990 وتعرضت 50000 امرأة لعنف جنسي في البوسنة والهرسك، وتم اغتصاب وترحيل 64000 امرأة في سيراليون . ولعل الوثائق الأولى للقانون الدولي الإنساني في مجال حماية النساء تضمنت ما جاءفي الفقرة 47 من تعليمات 1863، المتعلقة بسيرة القوات المسلحة الأمريكية المحضرة منطرف Francis Lieber، والتي كانت تهدف عقاب مرتكبي الاغتصاب ضد سكان البلد العدو، علما أن الاغتصاب لم يكن من ضمن جرائم الحرب المعروضة على محكمة نورمبرغ، في حين تجلى الاغتصاب من بين المتابعات التي كانت معروضة على أنظار محكمة طوكيو.
واذا كانت فئة النساء توجد ضمن المدنيين المحميين في زمن الحرب بمقتضى اتفاقية جنيف الرابعة ، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تكفلت بالحد من فظاعات وأهوال النزاعات المسلحة وأثرها على النساء ، وعملت خلال الحرب العالمية الثانية من اجل استفادة السجينات من معاملة خاصة ، لكن العنف الجنسي كان يحاط بصمت رهيب، يخنق الواقع المر المتمثل في جرائم بشعة مواكبة للنزاع المسلح ، علما أن العبارة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولين الملحقين بها تفيد أن إلحاق الألم والأذى الجسماني والمعاناة الشديدة تشمل الاغتصاب والمساس بكرامة المرأة واعتبارها ، وان النزاع المسلح في يوغوسلافيا سابقا وما شهده من أهوال ومآسي وجرائم وحشية جعل المنتظم الدولي يولي اهتماما كبيرا للحقوق الأساسية للنساء وإدراج الاغتصاب في نظام الجرائم الخطيرة infractions graves , ولعل الاجتهاذ في قضية AKAYESU يعتبر رسالة قوية، اذ اعتبرت محكمة رواندا أن الاغتصاب والعنف الجنسي يشكلان انتهاكات جسيمة لحرمة الجسد والعقل، بل وحسب المحكمة أبشع وأشد مساس بحرمة المرأة لأنها تكون قدمست بجسدها واعتبارها ” حكم محكمة روندا بتاريخ 1998/9/2 ” في الوقت الذي وجه فيه الانتقاد للفصل 27 من اتفاقية جنيف الرابعة، والذي وإن كان يدين الاغتصاب ، إلا أنه اعتبره خدشا للحياء والشرف. ولم يعتبره كجريمة جنسية مدمرة وخطيرة .
لا شك أن العنف الجنسي ضد النساء جعل المنتظم الدولي يدرك أنه جريمة ضد الانسانية، نتيجته تتعدى ما هو مرئي وحيني ، لأن الموت والجروح والمصاريف الطبية وفقدان العمل ما هي إلا الجزء الظاهر ، لكون مخلفات الانتهاكات كارثية ، النساء هن نصف المجتمع ، يسهرن على النسيج الاجتماعي ، يقدمن خدمات لا حصر لها، والاعتداء عليهن يشكل هدما للحضارات ، هذه الجرائم يفلت أصحابها من العقاب ويصولون ويجولون، وقد يكونوا حكاماً أو مسؤولين ، لذلك جرم نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية هذه الانتهاكات ضد المرأة واعتبر الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو أي شكل من أشكال العنف الجنسي والاسترقاق جرائم ضدالانسانية.
وإذا كان الهدف هو الحيلولة دون الإفلات من العقاب، فإن المجتمع الدولي لا زال عاجزا عن مواجهة الأهوال والفظائع التي يتعرض لها المدنيون خاصة النساء خلال النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية. ولم يتمكن من إيجاد الحلول الناجعة والسريعة في حالة ارتكاب هذه الأفعال المروعة ، لكن هناك صحوة الضمير الدولي تجاه ظاهرة ظلت موضوع صمت رهيب تتعلق بالعنف الجنسي والممارسات الحاطة من كرامة النساء في زمن النزاعات المسلحة، علما أن الأوضاع الحالية جعلت قضية النساء والسلم في هذه المرحلة تشهد المزيد من الصراعات والنزاعات، حيث تتعرض النساء لأنماط جديدة من الانتهاكات.