أولت جل التشريعات الجنائية ومنها التشريع الجنائي المغربي اهمية قصوى لفئة الاحداث الجانحين عن طريق سن نصوص خاصة لمحاكمتهم من طرف هيئات قضائية مختصة ، كما احاطتهم بعدة ضمانات وقواعد اساسية للمحاكمة العادلة ، ومواكبة مؤسسات الرعاية والادماج ، برؤيا التقويم والتهذيب بدل الزجر والايلام ولعل أهم مظهر من مظاهر المحاكمة العادلة هو اعتبار مؤازرة المحامي للحدث من النظام العام، إذ نصت المادة 475 من قانون المسطرة الجنائية على ما يلي : ” اذا لم يختر الحدث او ممثله القانوني محاميا فيعينه له قاضي الاحداث تلقائيا او يدعو نقيب المحامين لتعيينه “.
ونشير في هذا الصدد أن محكمة النقض الفرنسية اعتبرت تغاضي المحكمة عن تعيين واختيار محامي لمؤازرة الحدث موجبا لنقض القرار وإبطاله وإذا كانت مختلف التشريعات نحت هذا المنحى في مجال حماية الحدث بإلزامية مؤازرته من طرف المحامي، فذلك راجع إلى مدى ارتباط مهنة المحاماة منذ العصور الغابرة بالنبل والأمانة والطهر والهمة العالية ، لدرجة أن أحد ملوك الرومان أصدر شرعة مفادها أن رجال الجيش الذين كانوا اعلى القوم جاها ورفعة لكونهم يذودون عن حوزة البلاد ، يتساوون مع المحامين الذين يذودون عن الحقوق والأفراد بالألسنة والأقلام ، وأن جل رجالات الدولة البارزين عبر التاريخ والمعاصرين كذلك، كانوا من أصحاب البذلة السوداء ، اعتبارا من كونهم أصحاب رأي ومواقف وتفاعل مع قضايا المجتمع متمكنين من ثقافة واسعة وملمين بوقائع سياسية واجتماعية وحضارية بثقة كبيرة في النفس مردها إلى التكوين والتكوين المستمر ومتابعة مختلف الأحداث السياسية المجتمعية الاقتصادية والمستجدات وصقل واجهة تمنح إشعاعا للدولة ككل.
ولا غرابة في كون المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان نصت على ضرورة تمكين الاظناء من حقهم في المؤازرة بمحام اثناء محاكمتهم وتوفير مختلف التسهيلات للاتصال بالدفاع بكل حرية. والمحامي بحكم حنكته ، وتمرسه ، وإلمامه بالمساطر ، له من المكنة والقدرة للدفاع عن الحدث ورصد الاختلالات الشكلية ان وجدت ، وتقديم الاستشارات وحضور المحاكمة و مناقشة الوقائع وتقييم الحجج، علما أنه إضافة الى كون مؤازرة المحامي تكون الزامية في الجنايات، فانها تكون الزامية في الجنح اذا كان المتهم حدثا يقل عمره عن 18 سنة ، نستنج من ذلك الدور المحوري الذي اسنده المشرع للمحامي لاحاطة الحدث بضمانات كافية كفيلة بتحقيق الحماية القانونية لهذه الفئة الاكثر هشاشة في المجتمع بسبب العمر والارتباط والتبعية للكبار والضعف امام سطوة الكبار .
كما أن أي خرق جسيم لحقوق هذه الفئة من شأنه أن يتسبب في معاناة قاسية غالبا ما تستمر طول العمر وقد تنجم عنها اهتزازات في الشخصية وفي تدمير المستقبل الشخصي للطفل وقد تتسبب في تدمير أسر بكاملها اذ لها تداعيات على سلامة الطفل النفسية وترافقه لما يصبح راشدا ، لذلك وموازاة مع هذه الانعكاسات على شخصية الطفل ومحيطه، فإن الامر يتعلق بفئات تعول عليها المجتمعات في البناء وكان من الضروري توفير الحماية للاحداث سواء كانوا ضحايا أو جانحين.
وللاشارة فإن دستور المملكة المغربية ينص في في المادة 32 على ان الدولة تسعى الى توفير الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لجميع الاطفال بكيفية متساوية بصرف النظرعن وضعيتهم العائليةكما تشكل هذه الحماية مطلبا مجتمعيا ملحا ، رفعه المجتمع المدني والحقوقي الى مستوى مطلب مركزي ، علما ان هذه الحماية تعتبر حقا من حقوق الانسان وتشكل موضوع تعاقدات دولية واقليمية مجسدة في اتفاقيات وبروتوكولات دولية وخاصة اتفاقية الامم المتحدة لحقوق الطفل لعام 1989 التي صادق عليها المغرب سنة 1993 ،والبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل المتعلق ببيع وبغاء الاطفال واستغلال الاطفال في المواد الإباحية،. الذي يعتبر المغرب طرفا فيه واضافة الى المقتضيات الدستورية والالتزامات الدولية للمغرب فإن كفالة احترام وصيانة حقوق الانسان تدخل في صميم احترام وصيانة حقوق الانسان التي التزم المغرب بالنهوض بها في الدستور من خلال توقيعه أو انضمامه ومصادقته على المواثيق الدولية ذات الصلة.
واذا كانت عدالة الاحداث تقتضي توحيد الرؤى من اجل تفعيل مقتضيات قانون المسطرة الجنائية في اتجاه تحقيق المصلحة الفضلى للحدث ، فان الجهود يجب ان تتضافر بين القضاة والمحامين من اجل حماية الحدث حماية خاصة وضرورة الابتعاد عن العقوبة السالبة للحرية ، وضرورة تفعيل دور قاضي الاحداث في زيارة وتفقد الاحداث المودعين بمراكز حماية الطفولة ، مع ضرورة الاقدام تلقائيا على تغيير التدبير المتخذ في حق الاحداث كلما اقتضى الامر ذلك ، مع حرص قاضي النيابة العامة على تتبع تنفيذ القرارات والاوامر المتخذة في حق الاحداث ، مع تفعيل السلطة التقديرية لقاضي الاحداث في اختيار التدبيرالملائم لمصلحة الحدث وعدم اللجوءالى الايداع الا كآخر مراعاة للمصلحة الفضلى للحدث.
واستنادا إلى كون اللجوء الى الإيداع بالمؤسسات السجنية هو استثناء أباحه المشرع بشكل ضيق وقيده بشروط يصعب تحققها لما له من انعكاسات سلبية على نفسية الطفل وتنشئته لذلك منع منعا كليا اعتقا ل الأحداث الذين يقل عمرهم عن 12 سنة، وأقر إلزامية البحث الاجتماعي في الجنح ما لم يتعارض ذلك مع مصلحة الحدث،و سمح بالطعن بالاستئناف في قرارات غرفة الجنايات للأحداث أسوة بالرشداء .علما انه سبق للوزارة في السنوات الماضية ان راسلت الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف تطلب منهم عدم اثقال كاهل القضاة و المستشارين المكلفين بالاحداث بمهام اضافية والعمل على تفرغهم ليتمكنوا من تفعيل التشريعات الوطنية في مجال تدبير عدالة الاحداث، واقتراح من تتوفر فيهم مواصفات الاستعداد والنضج المهني والكفاءة المطلوبة لتقلد هذه المسوؤليةالنبيلة.
إلا أن الملاحظ أن قاضي الأحداث لم يخضع لاي تكوين يجعله مختصا في مجال عدالة الاحداث حتى يكون مؤهلا للقيام بالدور الاجتماعي المنوط به وخصوصيات قضايا الاحداث ، وتلك ثغرة من ثغرات التشريع تفاداها المشرع التونسي الذي كان أكثر وضوحا بخصوص شخص قاضي الأحداث، فالفصل 81 من مدونة الإجراءات الجزائية التونسية تؤكد على ضرورة أن يكون القضاة الذين تتألف منهم المحاكم مختصين في شؤون الطفولة.
واذا كان دور المحامي في انقاذ الحدث ليس محل جدال، فانه في الماضي كان يتم تكليف محام واحد للنيابة في ملفات جميع الاحداث المدرجة في الجلسة وتقتصر المرافعة على تقديم ملتمس مقتضب يتلخص في طلب البراءة اساسا واحتياطيا الاكتفاء بالتوبيخ وارجاع الحدث الى اوليائه ، او يعمد القاضي في الجلسة الى تكليف محام ينوب في جميع الملفات ليتقهقر دور المحامي من المؤازر والمدافع عن المصلحة الفضلى للحدث ودراسة وثائق الملف الى مجرد اجراء شكلي لا يفي بما توخاه المشرع من احاطة الحدث بالضمانات الكافية إلا أن مجلس هيئة المحامين في شخص النقيب واعضاء المجلس فطن لتلك الثغرات وأصبح المحامي يعين من طرف النقيب للنيابة عن الاحداث في كل ملف ملف على حدة بدل نيابة محام واحد في ملفات الاحداث المدرجة في الجلسة كما أن تعيين القاضي لمحام ينوب عن الحدث في الجلسة مع اعتبار القضية جاهزة وعدم إمهال المحامي لاعداد الدفاع من شأنه افراغ النص القانوني من مقاصده على اعتبار ولئن نصت المادة 475 من قانون المسطرة الجنائية على كون عدم اختيار الحدث أو ممثله القانوني محاميا يخول لقاضي الاحداث أن يعينه له تلقائيا او يدعو نقيب المحامين لتعيينه، فان منطق النص القانوني هو نيابة المحامي الفعلية وليس الشكلية فقط كما أن تعيين المحامي من طرف النقيب هو الانسب على اعتبار أن قرار التعيين سيتوصل به المحامي داخل آجال تسمح له بإعداد دفاعه على الشكل المطلوب الذي يتماشى مع حماية ضمان حماية الحدث وانقاذه .
علما أنه في اطار ضمان حقوق الدفاع فإن أول منشور في عهد رئاسة النيابة العامة وهو المنشور رقم 1 بتاريخ سابع اكتوبر 2017 ركز على تمكين المشتكى بهم والمتهمين من حقهم في الدفاع وتمكين المحامين المختارين أو المعينين في إطار المساعدة القضائية من القيام بمهامهم بحرية وفقا لما ينص عليه قانون المحاماة والقوانين الأخرى ذات الصلة ولا سيما قانوني المسطرة المدنية والجنائية ، كم دعا لفتح قنوات مع السادة نقباء هيئات المحامين المعنية من أجل توفير الاجواء الملائمة لممارسة المحامين لمهامهم ولتنظيم ترشيد ظروف ووسائل العمل المتاحة لحل الاشكالات التي قد تعترض واجب الدفاع الذي يقع على عاتقه تقوية فرض احترام الضمانات ومراقبة سلامة الاجراءات في اطار السياسة الجنائية المنتصرة لحماية الحدث الجانح واعادة تهذيبه اكثر مما تهدف إلى إيلامه وزجره وتلك توجهات ومؤشرات رقي المجتمعات