ونحن جميعا نحيا في زمن التوثرات، حيث تنقر الحروب ،المٱسي،الصراعات ،الاوبئة ،والموت الزؤام على أعصابنا المرهقة ، لم نملك لأنفسنا سوى أن نراهن على زمن ٱخر ، يكون زمن استرخاء، يذكرنا بأننا لم نوجد كي نبتلع كل هذا الكم من البؤس والشقاء .
في زمن يقترف فيه العنف بمجانية دون حسيب، و يصبح السلام والمحبة غائبان في عالمنا الحالي ،يتحول الفرد الى كائن مرعوب، أي تتغير ماهيته ،هو من يكثم مخاوفه ، ويحبس أنفاسه، كلما شعر أن ثمة خطر داهم يحاصره .
كيف لا، وهو يرى ٱلاف العساكر والٱليات الحربية تتحرك في كل الاتجاهات ،تدار حركاتها وسكناتها بحسابات، لا يدركها سوى الراسخون في الاستراتيجيات الدولية، وتذهل أمامها أذهان البسطاء من الناس .
لكن ،في الوقت الذي تطمئن فيه هذه الفئة الثانية الى عجزها في فك العزلة عن فهمها بخصوص السياسات الدولية و…
هذه القضايا ذات البعد الأخلاقي، والعقدي، تكون حسبهم/ن في حاجة إلى ذوذ عنها في وجه كل بدعة أو تحريف، أو ما شابههما ، مما يمنحهم/ن الحق في الدخول في سجال مع من يعدونهم مخاليفهم .
والاشارة اليوم إلى هذا ، فرضها الجدل الذي أحدثه إشهار احدى المنتوجات ( بيسكوي ميرندينا ) الذي لتسويقه اكثر في إطار ما يعرف بالماركو تينغ)، تم توظيف عيد الحب ،وطبع على غلاف قطعة الحلوى عبارات وصور تدعو الى الحب .
إلا أن هذا لم يكن ليروق للبعض ، الذين اعتبروا أن في هذا خدش للحياء ، و تشجيع الناڜئة على سلوكات وأحاسيس هم/ن في غنى عنها ، بل ذهب البعض إلى الدعوة إلى مقاطعة المنتوج….
وهذا يدفعنا الى التساؤل التالي :
هل الحب كعاطفة إنسانية ،كان دائما مرحبا به في ظل سلط (سياسية ،دينية ،ثقافية …) أم أنها عاطفة لحقها المنع باسم مطلق ما ؟
إذا كان يوم 14فبراير قد ارتبط رمزيا بعيد الحب، وبالتالي باسم أحد القديسين ،( فالانتان ),فهو أيضا يقترن بالقتل ،إذ في مثل هذا اليوم في القرن الثالث وتحت حكم الامبراطور الروماني كلوديوس ، تم إعدام القديس فالانتان، الذي كان يقوم بتزويج الجنود خفية، بعد أن منع الامبراطور الزواج عنهم، هو الذي كان في حاجة للدفاع عن روما ، وعن الإمبراطورية المهددة بالغزو ،وليتم له ذلك ،كانت الحاجة ماسة لجنود أصحاء وغير مشتتين ذهنيا بسبب زيجاتهم .
أما إذا نبشنا في الثقافة العربية الإسلامية ،فسوف لن نغلب كي نجد ابداعات عديدة ،اهتمت بهذاالموضوع ، وكانت إماعلى هيأة أشعار ، روايات ،قصص ، ابحاث أورسائل ، والتي تفاوتت فيما بينها من حيث الطرح والقيمة ، لكنها تخبرنا أن الحب بوصفه قيمة ، لم يكن غائبا في هذا التراث ، الذي نجد ابن حزم الفقيه الظاهري الاندلسي، (ولد سنة 994 موتوفي سنة 1064م)قد ألف كتابا عنه ، تحت ٱسم “طوق الحمامة” في الألفة والألاف، كان من بين من ترك لنا مؤلفا متميزا عبقا بنكهة أندلسية ، جمع فيه معظم قصص الحب التي عاشها أو سمعها ، وكان ذلك بطلب من صديق له بغرض بيان كل ما يخص العشق وأحواله .
رسالة في صفة الحب “ومعانيه ، وأسبابه ، واعراضه ، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة”
ولقد حدد في احد أبوابه ماهية الحب بقوله :”الحب أعزك الله ،أوله هزل واخره جد ، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف ، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة ، وليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة ، إذ القلوب بيد الله عز وجل ، وقد احب من الخلفاء المهديين والائمة الراشدين كثير منهم باندلسنا .”موضحا أيضا اختلاف الناس في ماهيته ،في حين اعتبر هو أنه “,اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في هذه الخليقة في أصل عنصرها الرفيع ,مستشهدا بالنص الديني “هو الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ليسكن اليها”.
كما يمكن أن نخلص إلى أن كل الحضارات والثقافات قد أسهمت في إثراء التراث الانساني بخصوص هذا المفهوم ، وما يفسر هذا هو، أن الانسان كان ولا زال يفكر داخل ثنائية الخير والشر ، وبالتالي الحب والكراهية ، مادامت طبيعة وجودنا الانساني غير السلس تفرض ذلك ، ومادام الانسان في كل أعراض تحولاته يبحث عن وجود مسكون بالمحبة ، هو من كانت في أعماقه مغروسة ، لولا ما أفسده الزمان منها ، وهكذا نجد البعض ممن يمارس شرورا ، مستندا في ذلك على مرجعيات نسب اليها ، أحكاما وتصورات من خلالها يهاجم غيره ، على أساس أنه يملك الحقيقة ، مهاجما كل من يحاول إعادة نسج العالم من جديد ، في صورة أجمل ، وتعبيرا عن قيمة سامية ونبيلة والتي لن تكون سوى قيمة الحب .